و (١) قد ذكرت عجائب مصر، وأنّ ما على وجه الأرض بنية إلاّ وأنا أرثي لها من اللّيل والنّهار إلاّ الهرمان، فأنا أرثي اللّيل والنّهار منهما (٢)، وهذان الهرمان لهما إشراف على أرض مصر، وإطلال على بطائحها، وإصعاد في جوّها (a). وهما اللّذان أراد أبو الطّيّب المتنبّي بقوله (٣):
[الكامل]
أين الذي الهرمان من بنيانه؟ … ما قومه؟ ما يومه؟ ما المصرع؟
تتخلّف الآثار عن سكّانها … حينا، ويدركها الفناء فتتبع
بعينيك (b) هل أبصرت أعجب منظرا … على طول ما أبصرت من هرمي مصر؟
أنافا بأعنان السّماء وأشرفا … على الجوّ إشراف السّماك أو النّسر
وقد وافيا نشزا من الأرض عاليا … كأنّهما نهدان قاما على صدر
وزعم قوم أنّ الأهرام قبور ملوك عظام آثروا أن يتميّزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم، كما تميّزوا عنهم في حياتهم، وتوخّوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدّهور وتراخي العصور (٥).
ولمّا وصل الخليفة المأمون إلى مصر أمر بنقبها، فنقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل، فوجدوا داخله مهاوي ومراقي يهول أمرها ويعسر السّلوك فيها، ووجدوا في أعلاها بيتا مكعّبا طول كلّ ضلع من أضلاعه نحو من ثمانية أذرع، وفي وسطه حوض رخام مطبق، فلمّا كشف غطاؤه لم يجدوا فيه غير رمّة بالية قد أتت عليها العصور
(a) في الرسالة المصرية: على ذراها، وبولاق: جوفها. (b) بولاق: بعيشك. (١) من هنا ينقل المقريزي عن «الرسالة المصرية» لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز ٢٦. (٢) أمية بن عبد العزيز: الرسالة المصرية ٢٦؛ وانظر فيما تقدم ٨٢ وفيما يلي ٣٢٩. (٣) الأبيات في ديوان المتنبي بشرح العكبري ٤٠٥: ١؛ أمية بن عبد العزيز: الرسالة المصرية ٢٦؛ ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٢٣٧: ١؛ وقارن الإدريسي: أنوار علوي ١١. (٤) الأبيات عند ابن ظافر: بدائع البدائه ٢٤٣: ١؛ ياقوت: معجم البلدان ٤٠٢: ٥ وفيه يعني نفسه؛ الإدريسي: أنوار علوي ١٤٥؛ النويري: نهاية الأرب ٣٩١: ١؛ ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٢٣٧: ١؛ المقري: نفح الطيب ٤٩٨: ١، ٣٣٢: ٣ وهي فيه منسوبة إلى أمية بن عبد العزيز. (٥) الإدريسي: أنوار علوي ١٤٧؛ ياقوت: معجم البلدان ٤٠٢: ٥.