للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألهمه اللّه علم النّجوم، فدلّته على أنّه سينزل بالأرض آفة، وأنّه سيبقى بقيّة من العالم يحتاجون فيها إلى علم، فبنى هو وأهل عصره الأهرام والبرابي، وكتب علمه فيها.

وقال أبو الصّلت الأندلسي في «رسالته»، وقد ذكر أخلاق أهل مصر: إلاّ أنّه يظهر من أمرهم أنّه كان فيهم طائفة من ذوي المعارف والعلوم، وخصوصا علم الهندسة والنّجوم، ويدلّ على ذلك ما خلّفوه من الصّنائع البديعة المعجزة، كالأهرام والبرابي، فإنّها من الآثار التي حيّرت الأذهان الثّاقبة، واستعجزت الأفكار الرّاجحة، وتركت لها شغلا بالتّعجّب منها والتّفكّر فيها (١).

وفي مثلها يقول أبو العلاء أحمد بن سليمان المعرّي من قصيدته التي يرثي بها أباه (٢):

[الطويل]

تضلّ العقول الهزبريّات رشدها … ولا يسلم الرّأي القويم من الأفن

وقد كان أرباب الفصاحة كلّما … رأوا حسنا عدّوه من صنعة الجنّ

وأيّ شيء أعجب وأغرب، بعد مقدورات اللّه ﷿ ومصنوعاته، من القدرة على بناء جسم جسيم، من أعظم الحجارة، مربعّ القاعدة، مخروط الشّكل، ارتفاع عموده ثلاث مائة ذراع وتسعة عشر ذراعا، يحيط به أربعة سطوح مثلّثات متساويات الأضلاع، طول كلّ ضلع منها أربع مائة ذراع وستون، وهو مع العظم من إحكام الصّنعة وإتقان الهندام وحسن التّقدير، بحيث لم يتأثّر إلى هلمّ جرّا بعصف الرّياح وهطل السّحاب وزعزعة الزّلازل. وهذه صفة كلّ واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط من الجانب الغربي على ما شاهدناه منهما (٣).


= Mercurius وهو «عطارد» عند العرب، والذي يزعم المصريون القدماء أنه نفس الإله تحوت، Thot ويطلق عليه أيضا «إدريس» و «أخنوخ أو خنوخ». والثاني هرمس البابلي الذي عاش في بابل مع الكلدانيين بعد الطوفان وأحيا دراسة العلوم. والثالث سكن في مصر بعد الطوفان أيضا وكان فيلسوفا طبيبا وبرع في علم الكيمياء وكان من أنبغ تلاميذه اسقلابيوس (راجع، ابن النديم: الفهرست ٣٢٧، ٤١٧ - ٤١٨؛ ابن جلجل: طبقات الأطباء والحكماء ٥ - ١٠؛ ابن أبي أصبيعة: عيون الأنباء ١٦: ١ - ٢١؛ المبشر بن فاتك: مختار الحكم ٧ - ٢٧؛ الإدريسي: أنوار علوي الأجرام ٩٦ - ٩٧؛ Sezgin، F.، GASIV، pp. ٣١ - ٤٤، VII، pp. ٥٠ - ٥٨; Plessner، M.، El ٢? art.Hirmis III، pp. ٤٧٩ - ٨١، Vajda، G.، El ٢? art.Idri? s III، pp.
١٠٥٦ - ٥٧؛ وحلل بلسنر رواية أبي معشر في مقالة Plessner، M.، «Hermes Trismegistus and Arab Science»، SIII (١٩٥٤)، pp. ٥٣؛ وانظر كذلك Fodor، A.، The Origin of the Arabic Legendems of the.Pyramides، pp. ٣٣٥ - ٤٦
(١) الإدريسي: أنوار علوي الأجرام ١٧.
(٢) انظر أبيات أبي العلاء المعري في سقط الزند ١٩٦: ١؛ الإدريسي: أنوار علوي الأجرام ١٧.
(٣) الإدريسي: أنوار علوي ١٧ - ١٨؛ ياقوت: معجم البلدان ٤٠١: ٥ - ٤٠٢.