للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأكثر العسكر، وأخذوا في هدمه، وأقاموا على ذلك شهورا، ثم تركوه عن عجز وخسران مبين في المال والعقل. ومن يرى حجارة الهرم يقول: إنّه قد استوصل الهرم، ومن يرى الهرم لا يجد به إلاّ تشعيثا يسيرا. وقد أشرفت على الحجّارين فقلت لمقدّمهم: هل تقدرون على إعادته؟ فقال: لو بذل لنا السّلطان عن كلّ حجر ألف دينار لم يمكنّا ذلك (١).

وقال أبو الحسن المسعودي في كتاب «مروج الذّهب»: وأمّا الأهرام، فطولها عظيم وبنيانها عجيب، عليها أنواع من الكتابات بأقلام الأمم السّالفة والممالك الدّاثرة، لا يدرى ما تلك الكتابة ولا المراد بها. وقد قال من عني بتقدير ذرعها: إنّ مقدار ارتفاع الهرم الكبير، ذهابا في الجو، نحو أربع مائة ذراع أو أكثر، وكلّما غلا به الصّعداء (a) دقّ ذلك، والعرض نحو ما وصفنا.

وعليها من الرّسوم علوم وخواصّ وسحر وأسرار الطبيعة، وإنّ من تلك الكتابة مكتوب (b): «إنّا بنيناها، فمن يدّعي موازاتنا في الملك وبلوغنا في القدرة وانتهاء أمر السّلطان (c)، فليهدمها وليزل رسمها، فإنّ الهدم أيسر من البناء، والتفريق أسهل (d) من التأليف». وقد ذكر أنّ بعض ملوك الإسلام شرع في هدم بعضها، فإذا خراج مصر [وغيرها من الأرض] (e) لا يفي بقلعها، وهي من الحجر والرّخام (٢).

وأنّها قبور الملوك، وكان الملك منهم إذا مات وضع في حوض من حجارة - ويسمّى بمصر والشّام الجرون (f) - وأطبق عليه، ثم يبنى من الهرم على مقدار ما يريدون من ارتفاع الأساس، ثم يحمل الحوض ويوضع وسط الهرم، ثم يقنطر عليه البنيان والأقباء (g)، ثمّ يرفعون البناء على هذا المقدار الذي يرونه، ويجعل باب الهرم تحت الهرم، ثم يحفر له طريق في الأرض، ويعقد أزج طوله تحت الأرض مائة ذراع أو أكثر. ولكلّ هرم من هذه الأهرام باب مدخله على ما وصفت.

قال: وكان القوم يبنون الهرم من هذه الأهرام مدرّجا ذا مراق كالدّرج، فإذا فرغوا نحتوه من فوق إلى أسفل، فهذه كانت حيلتهم. وكانوا مع ذلك لهم قوّة وصبر وطاعة (٣).


(a) بولاق: صعد.
(b) بولاق: مكتوبا.
(c) في مروج الذهب: وبلوغنا في … وانتهاءنا من السلطان.
(d) مروج: أيسر.
(e) زيادة من مروج الذهب.
(f) مروج: الجرن.
(g) ساقطة من بولاق.
(١) عبد اللطيف البغدادي: الإفادة والاعتبار ٤٨ - ٤٩؛ الإدريسي: أنوار علوي ٤٠ - ٤١ سماعا عن عبد اللطيف البغدادي؛ وفيما يلي ٣٢٧ - ٣٢٨.
(٢) المسعودي: مروج الذهب ٩٠: ٢ - ٩١.
(٣) نفسه ٧٧: ٢؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٤١: ١.