للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك أنّ قاعدته مربّع متساوي الأضلاع والزّوايا: ضلعان منهما على خطّ نصف النّهار، وضلعان على خطّ المشرق والمغرب، وكلّ ضلع بالذّراع السّوداء خمس مائة ذراع. والخطّ المنحدر على استقامة من رأس الهرم إلى نصف ضلع المربّع أربع مائة وسبعون ذراعا، يكون إذا تمّم أيضا خمس مائة ذراع.

وأحيط بالهرم أربعة مثلّثات ومربّع، كلّ مثلّث منها متساوي الساقين، كلّ ساق منه إذا تمّم خمس مائة وستون ذراعا. والمثلّثات الأربعة تجتمع رؤوسها عند نقطة واحدة وهي رأس الهرم إذا تمّم، فيلزم أن يكون عموده أربع مائة وثلاثين ذراعا. وعلى هذا العمود مراكز أثقاله، ويكون تكسير كلّ مثلّث من مثلّثاته (a)) أربع مائة ألف (a) مائة وخمسة وعشرين ألف ذراع، إذا اجتمع تكاسيرها كان مبلغ تكسير سطح هذا الهرم خمس مائة ألف ذراع بالسّوداء. وما أحسب على وجه الأرض بناء أعظم منه، ولا أحسن هندسة، ولا أطول، واللّه أعلم.

وقد فتح المأمون نقبا من هذا الهرم فوجد فيه زلاّقة تصعد إلى بيت مربّع مكعّب، ووجد في وسطه (b) قبر رخام، وهو باق فيه إلى اليوم، ولم يقدر أحد يخطه.

وبذلك أخبر جالينوس أنّها قبور، فقال في آخر الخامسة من «تدبير الصّحّة» (١) بهذا اللّفظ:

«وهم يسمّون من كان في هذا السّن الهرم، وهو اسم مشتقّ من الأهرام التي هم إليها صائرون عن قريب».

وقال الحوقلي في «صفة مصر»: وبها الهرمان اللّذان ليس على وجه الأرض لهما نظير في ملك مسلم ولا كافر، ولا عمل ولا يعمل كهما (٢).

وقرأ بعض بني العبّاس على أحدهما: إنّي قد بنيتهما، فمن كان يدّعي قوّة في ملكه فليهدمهما، فالهدم أيسر من البنيان (٣). فهمّ بذلك، وأظنّه المأمون أو المعتصم، فإذا خراج مصر لا يقوم به يومئذ. وكان خراجها على عهده، بالإنصاف في الجباية وتوخّي الرّفق بالرّعيّة


(a-a)) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: سطحه.
(١) «تدبير الصحة» ويعرف أيضا ب «تدبير الأصحاء» لجالينوس، نقله إلى العربية حنين بن إسحاق Sezgin، F.،). (GASIII، p. ٢٥٣
(٢) ابن حوقل: صورة الأرض ٨٨.
(٣) أمية ابن عبد العزيز: الرسالة المصرية ٢٨.