وأقام الناس سنين يقصدونه، وينزلون في الزّلاّقة التي فيه: فمنهم من يسلم، ومنهم من يهلك.
فاتّفق عشرون من الأحداث على دخوله، وأعدّوا لذلك ما يحتاج إليه (a) من طعام وشراب وحبال وشمع ونحوه، ونزلوا في الزّلاقة، فرأوا فيها من الخفّاش ما يكون كالعقبان تضرب وجوههم، ثم إنّهم أدلوا أحدهم بالحبال فانطبق عليه المكان، وحاولوا جذبه حتى أعياهم، فسمعوا صوتا/ أرعبهم فغشي عليهم، ثم قاموا وخرجوا من الهرم. فبينما هم جلوس يتعجّبون ممّا وقع لهم؛ إذ أخرجت الأرض صاحبهم حيّا من بين أيديهم يتكلّم بكلام لم يعرفوه، ثم سقط ميّتا، فحملوه ومضوا به. فأخذهم الخفراء وأتوا بهم إلى الوالي فحدّثوه خبرهم، ثم سألوا عن الكلام الذي قال صاحبهم قبل موته، فقيل لهم: معناه، «هذا جزاء من طلب ما ليس له». وكان الذي فسّر لهم معناه بعض أهل الصّعيد (١).
وقال عليّ بن رضوان الطّبيب: فكّرت في بناء الأهرام، فأوجب علم الهندسة العملية، ورفع الثّقيل إلى فوق، أن يكون القوم هندسوا سطحا مربّعا، ونحتوا الحجارة ذكرا وأنثى، ورصّوها بالجبس البحري إلى أن ارتفع البناء مقدار ما يمكن رفع الثّقيل، وكانوا كلّما صعدوا ضمّوا البناء حتى يكون السّطح الموازي للمربّع الأسفل مربّعا أصغر من المربّع السّفلاني، ثم عملوا في السّطح المربّع الفوقاني مربّعا أصغر بمقدار ما بقي في الحاشية ما يمكّن رفع الثّقيل إليه. وكلّما رفعوا حجرا مهندما رصّوه إليه ذكرا وأنثى، إلى أن ارتفع مقدار مثل المقدار الأوّل. ولم يزالوا يفعلون ذلك إلى أن بلغوا غاية لا يمكنهم بعدها أن يفعلوا ذلك، فقطعوا الارتفاع ونحتوا الجوانب البارزة التي فرضوها لرفع الثّقيل، ونزلوا في النّحت من فوق إلى أسفل، وصار الجميع هرما واحدا.
وقياس الهرم الأوّل بالذّراع التي تقاس بها اليوم الأبنية بمصر، كلّ حاشية منه أربع مائة ذراع، يكون بالذّراع السّوداء (٢) - التي طول كلّ ذراع منها أربعة وعشرين أصبعا - خمس مائة ذراع.
(a) بولاق: يحتاجون من. (١) المسعودي: أخبار الزمان ١٣٨ - ١٤٠؛ وانظر كذلك الإدريسي: أنوار علوي ١٢٨ - ١٣٠؛ النويري: نهاية ٢٨: ١٥ - ٢٩. (٢) عن الذراع السوداء انظر فيما تقدم ١٥٦ - ١٥٧.