للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت بمصر المعاملة بالورق، فأبطلها الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيّوب في سنة بضع وعشرين، وضرب الدّرهم المدوّر الذي يقال له الكاملي، وجعل فيه من النّحاس قدر الثّلث، ومن الفضّة الثّلثين (١). ولم يزل يضرب بالقاهرة إلى أن أكثر الأمير محمود الأستادّار من ضرب الفلوس بالقاهرة والإسكندرية، فبطلت الدّراهم من مصر، وصارت معاملة أهلها إلى اليوم بالفلوس، وبها يقوّم الذّهب وسائر المبيعات. وسيأتي ذكر ذلك إن شاء اللّه تعالى عند ذكر أسباب خراب مصر.

وكانت دار الضّرب يحصل منها للسّلطان مال كثير، فقلّ في زماننا لقلّة الأموال؛ ودار الضّرب اليوم جارية في ديوان الخاصّ.

وأمّا «دار العيار»، فكانت مكانا يحتاط فيه للرّعيّة، وتصلح موازينهم ومكاييلهم به، ويحصل منها للسّلطان مال (٢). وجعلها السّلطان صلاح الدين من جملة أوقاف سور القاهرة، وقد ذكرت في خطط القاهرة من هذا الكتاب (٣).

وأمّا «الأحكار»، فإنّها أجر مقرّرة على ساحات بمصر والقاهرة، فمنها ما صار دورا للسّكنى، ومنها ما أنشئ بساتين. وكانت تلك الأجر من جملة الأموال السّلطانية. وقد بطل ذلك من ديوان السّلطان، وصارت أحكار مصر والقاهرة وما بينهما أوقافا على جهات متعدّدة (٤).

وأمّا «الغروس»، فكانت في الغربية فقط، عدّة أراض يؤخذ منها شبه الحكر عن كلّ فدّان مقرّر معلوم، وقد بطل ذلك من الدّيوان (٥).

وأمّا «مقرّر الجسور»، فكان على كلّ ناحية تقرير بعدّة قطع معلومة يجبى منها عن كلّ قطعة عشرة دنانير، لتصرف في عمل الجسور، فيفضل منها مال كثير يحمل إلى بيت المال (٦).

وقد بطل هذا أيضا. وجدّد النّاصر فرج على الجسور حوادث قد ذكرت في أسباب الخراب.


(١) ابن بعرة: كشف الأسرار العلمية بدار الضرب المصرية، تحقيق عبد الرحمن فهمي، القاهرة ١٩٦٦، ٤٩ - ٥٠.
(٢) انظر المخزومي: المنهاج ٣١؛ ابن ممّاتي: قوانين الدواوين ٣٣٣ - ٣٣٤، ابن بعرة: كشف الأسرار العلمية ٦١؛ النابلسي: لمع القوانين المضية ٥٢؛ وانظر كذلك أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٥٤٨ - ٥٤٩.
(٣) انظر فيما يلي ٤٦٤: ١ ومسودة المواعظ ٣٢١ - ٣٢٣.
(٤) ابن ممّاتي: قوانين الدواوين ٣٤٢.
(٥) نفسه ٣٤٢ وفيه الغروس أماكن في نواحي الإقطاعات لمّا لم يطلعها الماء رغب قوم في تقبّلها بشيء معلوم عن كل فدان بشرط المساحة، ومهما زاد عن المتقبل استؤدي منه ما يجب بالنسبة.
(٦) نفسه ٣٤٢ - ٣٤٤.