مات وطال العهد، استأجرها الوزراء بأجرة يسيرة طلبا للفائدة، ثم أدخلت في الدّيوان (١).
قال ابن المأمون في «تاريخه»: وجميع البساتين المختصّة بالورثة الجيوشيّة (٢)، مع البلاد التي لهم، لم تزل في مدّة أيّام الوزير المأمون البطائحي بأيديهم، لم تخرج عنهم بضمان ولا بغيره.
فلمّا توفّي الخليفة الآمر بأحكام اللّه، وجلس أبو عليّ بن الأفضل بن أمير الجيوش في الوزارة، أعاد الجميع إلى الملاّك لكون نصيبه في ذلك الأوفر. فلمّا قتل واستبدّ الخليفة الحافظ لدين اللّه، أمر بالقبض على جميع الأملاك، وحلّ الأحباس المختصّة بأمير الجيوش. فلم يزل يانس به - لأنّه غلام الأفضل والوزير في ذلك الوقت - وعزّ الملك غلام الأوحد بن أمير الجيوش، يتلطّفان ويراجعان الخليفة، مع الكتب التي أظهرها الورثة وعليها خطوط الحلفاء، إلى أن أبقاها عليهم ولم يخرجها عنهم. ثم ارتفعت الحوطة عنها في سنة سبع وعشرين وخمس مائة للديوان الحافظي.
ولمّا خدم الخطير والمرتضى في سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة، في وزارة رضوان بن ولخشي، أعاد البساتين خاصّة، دون البلاد، على الورثة بحكم مآل أمرها إليه من الاختلال ونقص الارتفاع. ولمّا انقرض عقب أمير الجيوش، ولم يبق منه سوى امرأة كبيرة، أفتى فقهاء ذلك العصر ببطلان الحبس. فقبضت النّواحي، وصارت من جملة الأموال السّلطانية: فمنها ما هو اليوم في الدّيوان السّلطاني، ومنها ما صار وقفا ورزقا أحباسيّة، وغير ذلك (٣).
وأمّا «دار الضّرب»، فكان بالقاهرة دار الضّرب، وبالإسكندرية دار الضّرب، وبقوص دار الضّرب. ولا يتولّى عيار دار الضّرب إلاّ قاضي القضاة أو من يستخلفه (٤)، ثم رذلت في زمننا حتى صار يليها مسالمة فسقة اليهود المصرّين على الفسق مع ادّعائهم الإسلام. وكان يجتهد في خلاص الذّهب وتحرير عياره، إلى أن أفسد النّاصر فرج ذلك بعمل الدّنانير النّاصريّة فجاءت غير خالصة (٥).
(١) قارن ابن ممّاتي: قوانين الدواوين ٣٣٦ - ٣٣٩؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٣٨٩ - ٣٩٠، وفيما يلي ٤٨٧: ١ وأورد المقريزي في الكراسة المحفوظة في مكتبة Liege ذكر أبواب المال الهلالي ولكن ليس بنفس الصيغة ورقة ٩٦ - ٩٨. (٢) انظر فيما يلي ١٢٩: ٢ - ١٣٠. (٣) ابن المأمون: أخبار مصر ١٠٥. (٤) انظر فيما يلي ٤٤٥: ١، وقارن ابن ممّاتي: قوانين الدواوين ٣٣١ - ٣٣٣. (٥) الدينار الناصري ضربه السلطان الناصر فرج سنة ٨١١ هـ/ ١٤٠٨ م كمحاولة منه للتصدي لمنافسة الدوكات (Ducat) البندقية، وكان التعامل بها يتم بالعدّ لا بالوزن Bacharach، J.L.، «The Dinar versus the Ducat»،)؛ IJMES IV (١٩٧٣)، pp. ٨٦ - ٨٧ رأفت النبراوي: النقود الإسلامية في مصر في عصر دولة المماليك الجراكسة، القاهرة ١٩٩٦، ٦١ - ٦٦).