للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمّا قدم ابن عنين الشّاعر (١) من عند الملك العزيز سيف الإسلام طغتكين بن نجم الدين أيّوب ابن شاذي ملك اليمن إلى مصر - وقد أجزل صلته عندما وفد عليه وفارقه، وقد أثرى ثراء كثيرا - قبض أرباب ديوان الزّكاة بمصر على ما قدم به من المتجر، وطالبوه بزكاة ما معه، وكان ذلك في أيّام الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيّوب بن شاذي، فقال (٢):

[البسيط]

ما كلّ من يتسمّى بالعزيز لها … أهل، ولا كلّ برق سحبه غدقه

بين العزيزين بون (a) في فعالهما: … هذاك يعطي، وهذا يأخذ الصّدقه

ثم إنّ العزيز كشف عمّا يستأدى من الزّكاة، فإنّه انتهى إليه فيها أقوال شنيعة، منها أنّه أخذ من رجل فقير يبيع الملح في قفّة على رأسه زكاة عمّا في القفّة، وأنّه بيع جمل بخمسة دنانير ذهب فأخذ زكاتها خمسة دراهم. فأمر بتفويض/ أمرها إلى أرباب الأموال، ومن وجب عليه حقّ فيها وحمله إلى ديوان الزّكاة قبل منه، ومن لم يحمل لا يتعرّض إليه. فبخل الأغنياء بزكاة أموالهم حتى تضرّر الفقراء والمساكين، وأخذ السّعاة يبذلون في ضمانها الأموال لتعود إلى ما كانت عليه. فولي النّظر في ديوان الزّكاة القاضي الأسعد شرف الدين أبو المكارم أسعد بن مهذب بن ممّاتي، فاستخرج الزّكاة من أربابها، ثم ضمنت بمال كثير، وعاد الأمر فيها إلى ما كانت عليه من العسف والجور.

وكانت أعوان متولّي الزّكاة تخرج إلى منية بني (b) خصيب وإخميم وقوص، لكشف أحوال المسافرين من التّجّار والحجّاج وغيرهم، فيبحثون عن جميع ما معهم، ويدخلون أيديهم أوساط الرجال خشية أن يكون معهم مال، ويحلّفون الجميع بالأيمان الحرجة على ما بأيديهم وما عندهم غير ما وجدوه.


(a) بولاق: فرق.
(b) بولاق: ابن.
(١) شرف الدين أبو المحاسن محمد بن نصر اللّه بن مكارم ابن الحسن الزرعي الحوراني المشهور بابن عنين الأنصاري الدمشقي الشاعر، المتوفى سنة ٦٣٠ هـ/ ١٢٣٣ م (ياقوت: معجم الأدباء ٨١: ١٩ - ٩٢؛ المنذري: التكملة لوفيات النقلة ٣٣٦: ٣ - ٣٣٧؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ٣٦٣: ٢٢؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ١٢٢: ٥ - ١٢٧؛ ٨٧ - ٩٨٦ .. (El ٢? art.Ibnc? Unayn III، pp
(٢) الأبيات في ديوان ابن عنين، تحقيق خليل مردم. دمشق ١٩٤٦ م، ٢٢٣.