للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أدّت إقامة ابن خلدون الطّويلة في مصر إلى اتّصال العديد من علماء ومؤرّخي مصر به ممّا أدّى إلى تكوين مدرسة حوله من المعجبين به والمتتلمذين عليه يأتي في مقدّمتهم المقريزي (١).

***

ومن خلال مقدّمته لكتاب «الخطط» نرى المقريزي مواطنا مصريا غيورا كرّس جهده العلمي طوال حياته لكتابة تاريخ مصر السّياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولإحياء معالم مسقط رأسه القاهرة وتوضيح مجاهلها وتجديد مآثرها وترجمة أعيانها (٢). يقول في مقدّمة «الخطط»: «كانت مصر هي مسقط رأسي وملعب أترابي ومجمع ناسي ومغني عشيرتي وحامتي وموطن خاصّتي وعامّتي وجوّي الذي ربّي جناحي في وكره وعشّ مأربي» (٣). ويقول عن حارة برجوان التي ولد فيها: «وما برحنا ونحن شباب نفاخر بحارة برجوان سكّان جميع حارات القاهرة» (٤).

وقد كانت للمقريزي مشاركة في الحياة العامّة منذ نعومة أظفاره، ففي أثناء الجفاف الذي أصاب البلاد سنة ٧٧٥ هـ/ ١٣٧٣ هـ خرج المقريزيّ مع من خرج يومئذ إلى قبّة النّصر خارج القاهرة لصلاة صلاة الاستسقاء (٥). وعندما بلغ أشدّه تقلّب في العديد من الوظائف الدّيوانية حيث باشر التّوقيع السّلطاني عند القاضي بدر الدين محمّد بن فضل اللّه العمري جالسا بقاعة الإنشاء المجاورة لقاعة الصّاحب بقلعة القاهرة إلى نحو التسعين وسبع مائة/ ١٣٨٨ م (٦).

وفي ١١ رجب سنة ٨٠١ هـ/ ١٣٩٨ م ولي المقريزي حسبة القاهرة والوجه البحري عوضا عن شمس الدين محمد المحاسني، وفي ١٧ ذي القعدة من العام نفسه خلع عليه وكتب له بحسبة القاهرة بعد تولّي النّاصر فرج بن برقوق، ثم عزل بالقاضي بدر الدين العيني في ٢٦ ذي الحجّة من نفس العام (٧). ولا شكّ أنّ شغله لوظيفة الحسبة قد منحه تدريبا عمليّا حول بعض القضايا الاقتصادية استعان بها في مؤلّفاته وخاصّة «إغاثة الأمّة»، كما أنّ مباشرته للتّوقيع السّلطاني


(١) محمد مصطفى زيادة: المؤرخون في مصر في القرن الخامس عشر الميلادي ٦.
(٢) السخاوي: الضوء اللامع ٢٤: ٢، التبر المسبوك ٢٤.
(٣) المقريزي: المواعظ والاعتبار فيما يلي ٤.
(٤) المقريزي: الخطط ٩٥: ٢.
(٥) المقريزي: السلوك ٢١٩: ٣.
(٦) المقريزي: الخطط ٢٢٥: ٢؛ السخاوي: التبر المسبوك ٢٢.
(٧) المقريزي: السلوك ٩٣٠: ٣؛ أبو المحاسن: المنهل الصافي ٤١٦: ١، ٤١٧؛ السخاوي: الضوء اللامع ٢٢: ٢؛ ابن الصيرفي: نزهة النفوس ٢٤٣: ٤.