للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بديوان الإنشاء عرّفه بعالم رجال الدّولة ومشاكله التي لا شكّ في أنّه أفاد منها كمؤرّخ فيما بعد.

وقد تولّى المقريزي كذلك في تواريخ نجهلها نيابة الحكم والخطابة بجامع عمرو وبمدرسة السّلطان حسن وإمامة ونظر جامع الحاكم (١). وربّما شغل المقريزي هذه الوظائف في الفترة التي اتّصل فيها بالسّلطان الظّاهر برقوق بواسطة شيخه عبد الرّحمن بن خلدون، حيث نال منه حظوة. وفي هذه الفترة وطّد المقريزي صلته بأحد كبار الأمراء هو يشبك بن عبد اللّه الأتابكي الشّعباني (٢) الذي لعب دورا نشطا في أثناء الاضطرابات الدامية التي سادت في زمن النّاصر فرج بن برقوق. وربّما بسبب هذه الصّلة دخل المقريزي إلى دمشق بصحبة النّاصر فرج في فترة مليئة بالفوضى السّياسية، وأخذ يتردّد عليها حتّى سنة ٨١٥ هـ/ ١٤١٢ م حيث تولّى بها نظر وقف القلانسي والبيمارستان النّوري وتدريس دار الحديث الأشرفيّة والمدرسة الإقباليّة. وعرض عليه النّاصر فرج أثناء وجوده بالشّام قضاء الشّافعيّة فأبى قبوله لأنّه شعر أنّ وراء هذا العرض بعض الشّبهات (٣).

كانت إقامة المقريزي في دمشق هذه الفترة هربا من الجوّ السّياسي المضطرب والخطير الذي كان سائدا حينئذ في العاصمة المصرية. وعندما عاد المقريزي إلى القاهرة سنة ٨١٥ هـ/ ١٤١٢ م إثر مقتل النّاصر فرج، كان النّظام المملوكي قد بدأ يعرف استقرارا نسبيا في زمن سلطنة المؤيّد شيخ المحمودي (٨١٥ - ٨٢٥ هـ/ ١٤١٢ - ١٤٢١ م) ويبدو أنّ المقريزي قد وضع أمالا كبارا في السّلطان الجديد، وربّما كانت هناك صلة بين هذه المشاعر وتقلّد المقريزي تدريس الحديث بالمدرسة المؤيّدية (٤) - التي أنشأها السّلطان المؤيّد شيخ ملاصقة لباب زويلة في القاهرة - دون شك بعد الفراغ من بنائها سنة ٨٢٣ هـ/ ١٤٢٠ م، ولا ندري الوقت الذي أمضاه المقريزي في تولّي وظيفة تدريس الحديث بالمؤيّدية وربّما انتهت هذه المدّة بوفاة المؤيّد شيخ نفسه في عام ٨٢٥ هـ/ ١٤٢١ م.

وطوال العشرين عاما التالية أعرض المقريزي عن الوظائف العامّة وأبعده عنها السّلاطين وخاصّة برسباي «فأقام ببلده عاكفا على الاشتغال بالتاريخ حتّى اشتهر به ذكره وبعد فيه صيته» (٥)، ولم


(١) السخاوي: الضوء اللامع ٢٢: ٢، التبر المسبوك ٢٢.
(٢) أبو المحاسن: المنهل الصافي ٧٨٤: ٢؛ السخاوي: التبر المسبوك ٢٢؛ الشوكاني: البدر الطالع ٨٠: ١.
(٣) أبو المحاسن: المنهل الصافي ٤١٧: ١؛ السخاوي: الضوء اللامع ٢٢: ٢، التبر المسبوك ٢٢؛ الشوكاني: البدر الطالع ٨٠: ١؛ Garcin، J. -CI.، op.cit.، p. ٢٠١.
(٤) السخاوي: الضوء اللامع ٢٢: ٢، التبر المسبوك ٢٢.
(٥) نفسه ٢٢: ٢.