للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تتلمذ المقريزي لمشيخة فاضلة من علماء عصره بلغوا حسب إحصائه لهم - كما نقل عنه السّخاوي - ستّ مائة نفس، أخذ عنهم الفقه والحديث والقراءات واللّغة والنّحو والأدب والتاريخ (١).

ولا شك أنّ أهمّ شيوخ المقريزي الذين أثّروا فيه واستفاد منهم في مجال التّاريخ، وخاصّة التّاريخ العمراني والاقتصادي والاجتماعي، أستاذه مؤسّس علم الاجتماع العلاّمة التّونسي عبد الرّحمن بن خلدون. فقد اجتمع المقريزي بابن خلدون منذ قدومه إلى مصر واستقراره بها سنة ٧٨٤ هـ/ ١٣٨٢ م. ومنذ وصول ابن خلدون إلى مصر توطّدت الصّلة بينه وبين السّلطان الظّاهر برقوق الذي ولاّه تدريس المدرسة القمحيّة المجاورة لجامع عمرو بن العاص بالفسطاط، وقلّده قضاء القضاة المالكيّة بديار مصر سنة ٧٨٦ هـ/ ١٣٨٤ م. وبعد وفاة برقوق سنة ٨٠١ هـ/ ١٣٩٩ م صحب ابن خلدون ولده السّلطان الملك النّاصر فرج عندما خرج إلى الشّام لمحاربة تيمور لنك وسعى للقاء تيمور لنك بعد انهزام فرج بن برقوق في دمشق. وبعد عودة ابن خلدون إلى القاهرة تولّى قضاء قضاة المالكيّة بها أكثر من مرّة حتى وفاته سنة ٨٠٨ هـ/ ١٤٠٥ م (٢).

وقد ترجم المقريزيّ لشيخه ابن خلدون ترجمة مطوّلة في كتابه «درر العقود الفريدة» (٣) أظهر فيها إعجابه الشّديد به وبكتابه «العبر وديوان المبتدأ والخبر» وقال عنه: «وهو لعمري نادرة عجيبة ودرّة بديعة غريبة سيّما مقدّمته التي لم يعمل مثالها، وأنّه لعزيز أن ينال مجتهد منالها إذ هي زبدة المعارف والعلوم ونتيجة العقول السّليمة والفهوم، توقفك على كنه الأشياء وتعرّفك حقيقة الحوادث والأنباء» (٤).


(١) السخاوي: الضوء اللامع ٢٣: ٢؛ الشوكاني: البدر الطالع ٧٩: ١، ٨١؛ محمد كمال الدين عز الدين: المقريزي مؤرخا ٣٤ - ٤٢.
(٢) ما كتب عن ابن خلدون كثير يتناسب مع قيمته وأهميته لذلك فإني أحيل القارئ إلى المؤلفات الآتية التي تشمل لوحة حياته وأهم أعماله، ابن خلدون: التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا، نشره محمد بن تاويت الطنجي، القاهرة ١٩٥١؛ محمد عبد اللّه عنان: ابن خلدون، حياته وتراثه الفكري، القاهرة ١٩٣٣، ١٩٥٣؛ عبد الرحمن بدوي: مؤلفات ابن خلدون، القاهرة ١٩٦٢، تونس: ١٩٦٩؛ أبو القاسم محمد كرو: العرب وابن خلدون: بيروت ١٩٨٨؛ Fischel، W.J.، Ibn Khaldun in Egypt.His Public Functions and his Historical Research (١٣٨٢ - ١٤٠٦)، Berkeley ١٩٦٧; Talbi، M.، El?.، art.Ibn Khaldu? n III pp.
٨٤٩ - ٥٥.
(٣) محمود الجليلي: «ترجمة ابن خلدون للمقريزي»، مجلة المجمع العلمي العراقي ١٣ (١٩٦٥) ٢١٥ - ٢٤٢.
(٤) نفسه ٢٣٥.