وكان مذهب أسرة المقريزي، على الأقلّ اعتبارا من جدّ المقريزي، هو المذهب الحنبلي؛ فقد كان عبد القادر بن محمّد المقريزي من أعيان فقهاء الحنابلة ومن كبار المحدّثين (١). وعندما هاجر ولده عليّ بن عبد القادر إلى مصر واستقرّ في القاهرة «باشر التّوقيع السّلطاني وعدّة وظائف، وكان الأغلب عليه صناعة كتابة الإنشاء والحساب»(٢). ورغم أنّ المذاهب الشّائعة في مصر في هذا الوقت كانت المذهب الشّافعي والمذهب المالكيّ، فقد صاهر والد المقريزي أسرة حنفيّة المذهب حيث تزوّج من ابنة أحد كبار فقهاء الحنفيّة وتدعي السيدة أسماء ابنة الشّيخ شمس الدين محمّد بن عبد الرّحمن بن عليّ بن الصّائغ في المحرّم سنة ٧٦٥ هـ/ ١٣٦٤ م (٣) الذي شغل بعض الوظائف الهامّة حيث تولّى إفتاء دار العدل سنة ٧٦٥ هـ/ ١٣٦٤ م ثم تولّى قضاء العسكر وتدريس المذهب الحنفي بجامع ابن طولون سنة ٧٧٣ هـ/ ١٣٧٣ م وكان الطّلبة يتردّدون على داره ليلا لأخذ علم القراءات عليه إلى أن توفّي في سنة ٧٧٦ هـ/ ١٣٧٥ م (٤).
هكذا نشأ المقريزيّ في بيت علم وحتّى يستفيد من علاقات جدّه لأمّه وصلاته العلمية تلقّى المقريزي علومه الدينية على المذهب الحنفي بدلا من المذهب الحنبلي الذي كان عليه أباؤه، وظلّ كذلك حتى بعد وفاة جدّه ابن الصّائغ سنة ٧٧٦ هـ/ ١٣٧٥ م. ولكن بعد وفاة والده عليّ بن عبد القادر بعد ذلك بثلاث سنوات سنة ٧٧٩ هـ/ ١٣٨٤ م تحوّل شافعيّا واستقرّ على هذا المذهب حتى وفاته مع ميل إلى مذهب الظّاهر (أي مذهب ابن حزم)(٥). فقد كان المقريزيّ يرى أنّ انتسابه للمذهب الشّافعيّ سيساعده على الاندماج في المجتمع المصري أكثر من المذهب الحنبلي مذهب أبائه والأكثر تشدّدا من المذهب الحنفي الذي كان يرى أنّه أكثر تسامحا وإن احتفظ له ببعض الكره (٦) يتّضح من معاداته بعد ذلك لكثير من المنتسبين لهذا المذهب ومنهم المؤرّخ صارم الدين إبراهيم بن أيدمر العلائي المعروف بابن دقماق.
(١) المقريزي: السلوك ٣٦٥: ٢؛ السخاوي: الضوء اللامع ٢١: ٢، ٢٢. (٢) نفسه ٣٢٦: ٣؛ نفسه ٢١: ٢، ابن حجر: إنباء الغمر ١٨٨: ٤، ابن الصيرفي: نزهة النفوس ٢٤٢: ٤. (٣) المقريزي: درر العقود الفريدة ٤٧٩، ابن حجر: إنباء الغمر ١٦٦: ١، ٣٣: ٢، ١٨٨: ٤، الدرر الكامنة ٥: ٣. (٤) ابن الجزري: غاية النهاية في طبقات القراء ١٦٤: ٢؛ المقريزي: السلوك ٢٤٥: ٣؛ ابن حجر: إنباء الغمر ٩٥: ١، الدرر الكامنة ٤. (٥) أبو المحاسن: المنهل الصافي ٤١٥: ١، النجوم الزاهرة ٤٩١: ١٥؛ السخاوي: الضوء اللامع ٢١: ٢، التبر المسبوك ٢٢؛ ابن الصيرفي: نزهة النفوس ٢٤٢: ٤. (٦) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٤٩١: ١٥. Garcin، J. -CI.، op.cit.p. ٢٠٠.