للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمّا كنّا نرى النّظر في مصالح الرّعيّة (a) أمرا واجبا، ونصرف إلى سياستهم عزما ماضيا ورأيا ثاقبا، كذلك نرى النّظر في أمور الدّواوين واستيفاء حقوقها المصروفة إلى حماية البيضة، والمحاماة عن الدّين، وجهاد الكفرة والملحدين، ليكون ما نراعيه وننظر فيه جاريا على سنن الواجب، محروسا من الخلل - بإذن اللّه تعالى - من جميع الجوانب.

ومن اللّه نستمدّ مواد التّوفيق في الحلّ والعقد، ونسأله الإرشاد إلى سواء السّبيل والقصد، وما توفيقنا إلاّ باللّه، عليه نتوكّل، وهو حسبنا ونعم الوكيل».

وكان القاضي الرّشيد بن الزّبير (١) - أيّام مشارفته الصّعيد الأعلى - قد طالع المجلس الأفضليّ بحال أرباب الأملاك هناك، وأنّهم قد استضافوا إلى أماكنهم من أملاك الدّواوين أراضي اغتصبوها، ومواضع مجاورة لأملاكهم تعدّوا عليها وخلطوها بها وحازوها. ورسم له كشفها ونظم المشاريح بها وارتجاعها للديوان، وأن يعتمد في ذلك ما يوجبه حكم العدل المثبوت (b) في كلّ قطر ومكان؛ وبآخر ذلك:

«سيّرنا من الباب من يكشف ذلك على حقيقته وإنهائه على طيّته، فاعتمدوا ما أمروا به من الكشف في هذه الأملاك؛ ووردت المطالعة منهم بأنّهم التمسوا ممّن بيده ملك أو ساقية، ما يشهد بصحّة ملكه ومبلغ فدنه وذكر حدوده، فلم يحضر أحد منهم كتابا، ولا أوضح جوابا. وأصدروا إلى الدّيوان المشاريح بما كشفوه وأوضحوه، فوجد (c) التّعدّي فيه ظاهرا، وباب الحيف والظّلم غير متقاصر، والشّرع يوجب وضع اليد على ما هذه


(a) بولاق: الرعايا.
(b) بولاق: المثبت.
(c) بولاق: وجدوا.
(١) القاضي الرّشيد أبو الحسن أحمد بن علي بن إبراهيم بن الزّبير الأسواني المتوفى سنة ٥٦٢ هـ/ ١١٦٧ م، لم تشر المصادر إلى مشارفته للصعيد الأعلى، وإنما تشير إلى ولايته نظر الإسكندرية سنة ٥٥٩ هـ/ ١١٦٤ م بغير اختياره، فتكون إشارة ابن المأمون هنا ذات أهمية كبيرة (راجع، العماد الأصفهاني: خريدة القصر (قسم مصر) ٢٠٠: ١ - ٢٠٢؛ ياقوت: معجم الأدباء ٥١: ٤ - ٦٦؛ ابن خلكان: وفيات ١٦٠: ١ - ١٦٤؛ ابن ميسر: أخبار مصر ١٣٥، ١٥٣؛ الصفدي: الوافي ٢٢٠: ٧ - ٢٢٥؛ الأدفوي: الطالع السعيد ٩٨ - ١٠٢؛ المقريزي: المقفى الكبير ٥٣٣: ١ - ٥٣٦).