وإذا خرج للحرب أو سفر طويل، حمل على رأسه سبع جتوره، منها اثنان مرصّعان ليس لهما قيمة (١)، وله فخامة عظيمة وقوانين وأوضاع جليلة. والخانات والملوك والأمراء لا يركب أحد منهم في السّفر والحضر إلاّ بالأعلام، وأكثر ما يحمل الخان سبعة أعلام أقلّ ما يحمل الأمير ثلاثة، وأكثر ما يجرّه الخان في الحضر عشر جنائب، وأكثر ما يجرّ الأمير في الحضر جنيبان، وأمّا في السّفر فحسبما يختار.
وكان للسّلطان برّ وإحسان، وفيه تواضع. ولقد مات عنده رجل فقير فشهد جنازته، وحمل نعشه على عنقه.، وكان يحفظ القرآن العزيز العظيم وكتاب «الهداية» في فقه الحنفيّة، ويجيد علم المعقول، ويكتب خطّا حسنا، ولذّته في الرّياضة وتأديب النّفس، ويقول الشّعر ويباحث العلماء، ويؤاخذ الشّعراء، ويأخذ بأطراف الكلام على كلّ من حضر على كثرة العلماء عنده. والعلماء تحضر عنده، وتفطر في رمضان معه بتعيين صدر جهان لهم في كلّ ليلة.
وكان لا يترخّص في محذور، ولا يقرّ على منكر، ولا يتجاسر أحد في بلاده أن يتظاهر بمحرّم. وكان يشدّد في الخمر، ويبالغ في العقوبة على من يتعاطاه من المقرّبين منه. وعاقب بعض أكابر الخانات على شرب الخمر، وقبض عليه، وأخذ أمواله، وجملتها أربع مائة ألف ألف مثقال وسبعة وثلاثين ألف ألف مثقال (٢) ذهبا أحمر، زنتها ألف وسبع مائة قنطار بالمصري.
وله وجوه برّ كثيرة: منها أنّه يتصدّق في كلّ يوم بلكّين: عنهما من نقد مصر ألف ألف وستّ مائة ألف درهم، وربّما بلغت صدقته في يوم واحد خمسين لكّا، ويتصدّق عند كلّ رؤية هلال شهر بلّكين دائما، وعليه راتب لأربعين ألف فقير، كلّ واحد منهم درهم في كلّ يوم، وخمسة أرطال برّ وأرز، وقرّر ألف فقيه في مكاتب لتعليم الأطفال القرآن، وأجرى عليهم الأرزاق.
وكان لا يدع بدهلي سائلا، بل يجري على الجميع الأرزاق، ويبالغ في الإحسان إلى الغرباء.
(١) في مسالك الأبصار وصبح الأعشى: لا يقيّمان لنفاستهما. (٢) في مسالك الأبصار وصبح الأعشى: ألف ألف مثقال وسبعة وثلاثين ألف مثقال.