وقدم عليه رسول من أبي سعيد مرّة بالسّلام والتّودّد، فخلع عليه وأعطاه حملا من المال، فلمّا أراد الانصراف أمره أن يدخل الخزانة ويأخذ ما يختار، فلم يأخذ غير مصحف، فسأله عن ذلك فقال: قد أغناني السّلطان بفضله، ولم أجد أشرف من كتاب اللّه. فزاد إعجابه به، وأعطاه مالا جمّا جملته ثمان مائة تومان، كلّ تومان عشرة آلاف دينار، وكلّ دينار ستّة دراهم، تكون جملة ذلك ثمانية آلاف ألف دينار، عنها ثمانية وأربعون ألف ألف درهم.
وقصده شخص من بلاد فارس، وقدّم له كتبا في الحكمة، منه كتاب «الشّفاء» لابن سينا، فأعطاه جوهرا بعشرين ألف مثقال من الذّهب. وقصده آخر من بخارى بحملي بطّيخ أصفر، فتلف غالبه حتى لم يبق منه إلاّ اثنتان وعشرون بطّيخة، فأعطاه ثلاثة آلاف مثقال ذهبا. وكان قد التزم أن لا ينطق في إطلاقاته بأقلّ من ثلاثة آلاف مثقال ذهبا.
وبعث ثلاث لكوك ذهبا إلى بلاد ما وراء النّهر ليفرّق على العلماء لكّا، وعلى الفقراء لكّا، ويبتاع له حوائج بلكّ. وبعث للبرهان الصّاغرجي، شيخ سمرقند، بأربعين ألف تنكة.
وكان لا يفارق العلماء سفرا وحضرا. ومنار الشّرع في أيّامه قائم، والجهاد مستمرّ. فبلغ مبلغا عظيما في إعلاء كلمة الإيمان، فنشر الإسلام في تلك الأقطار، وهدم بيوت النّيران، وكسر البّدود والأصنام، واتّصل به الإسلام إلى أقصى الشّرق، وعمّر الجوامع والمساجد، وأبطل التّثويب في الأذان، ولم يخل له يوم من الأيّام من بيع آلاف من الرّقيق لكثرة السّبي. حتى إن الجارية لا يتعدّى ثمنها بمدينة دهلي ثمان تنكات، والسّريّة خمس عشرة تنكة، والعبد المراهق أربعة دراهم.
ومع رخص قيمة الرّقيق فإنّه تبلغ قيمة الجارية الهندية عشرين ألف تنكة لحسنها ولطف خلقها، وحفظها القرآن وكتابتها الخطّ، وروايتها الأشعار والأخبار، وجودة غنائها، وضربها بالعود، ولعبها بالشّطرنج. وهنّ يتفاخرن فتقول الواحدة: آخذ قلب سيّدي في ثلاثة أيّام، فتقول الأخرى: أنا آخذ قلبه في يوم، فتقول الأخرى: أنا آخذ قلبه في ساعة، فتقول الأخرى: أنا آخذ قلبه في طرفة عين.
وكان ينعم على جميع من في خدمته، من أرباب السّيوف والأقلام، بكلّ جليل من البلاد، والأموال والجواهر والخيول المجّللة بالذّهب وغير ذلك، إلاّ الفيلة فإنّه لا يشاركه فيها أحد، وللثّلاثة آلاف فيل راتب عظيم، فأكثرها مؤنة له في كلّ يوم أربعون رطلا من أرز، وستون رطلا من شعير،