وتزوّجها الملك المكرّم أحمد بن أسماء - وهو ابن علي الصّليحي - سنة إحدى وستين، وولاّها الأمر في حياته، فقامت بتدبير المملكة والحروب، وأقبل زوجها على لذّاته حتى مات، وتولّى ابن عمّه سبأ، فاستمرّت في الملك حتى مات سبأ. وتولّى ابن نجيب الدّولة حتى ماتت سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، وشاركه في الملك المفضّل أبو البركات بن الوليد الحميري، فكان يحكم بين يدي الملكة الحرّة وهي من وراء الحجاب. ومات المفضّل في رمضان سنة أربع وثلاثين وخمس مائة، وملك بلاده ابنه الملك المنصور منصور بن المفضّل، حتى ابتاع منه محمّد بن سبأ ابن أبي السّعود معاقل الصّليحيين، وعدّتها ثمانية وعشرون حصنا بمائة ألف دينار، في سنة سبع وأربعين وخمس مائة. وبقي لمنصور تعز حتى مات بعد ما ملك نحو ثمانين سنة.
وأمّا «عليّ بن مهدي» فإنّه حميري من سواحل زبيد. كان أبوه مهدي رجلا صالحا، ونشأ ابنه على طريقته وحجّ ووعظ وكان فصيحا حسن الصّوت، عالما بالتّفسير وغيره، يتحدّث بالمغيّبات فتكون كما يقول، وله عدّة أتباع كثيرة وجموع عديدة. ثم قصد الجبال، وأقام بها إلى سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، ثم عاد إلى أملاكه ووعظ.
ثم عاد إلى الجبال ودعا إلى نفسه، فأجابه بطن خولان، فسمّاهم «الأنصار»، وسمّى من صعد معه من تهامة «المهاجرين»، وولّى على خولان سبأ، وعلى المهاجرين رجلا آخر، وسمّى كلاّ منهما «شيخ الإسلام»، وجعلهما نقيبين على طائفتيهما فلا يخاطبه أحد غيرهما، وهما يوصّلان كلامه إلى من تحت أيديهما.
وأخذ يغادي الغارات ويراوحها على التّهائم حتى أخلى البوادي، ثم حاصر زبيد حتى قتل فاتك بن محمد آخر ملوك بني نجاح، فحارب ابن مهدي عبيد فاتك حتى غلبهم، وملك زبيد يوم الجمعة رابع عشر رجب سنة أربع وخمسين وخمس مائة، فبقي في الملك شهرين وأحدا وعشرين يوما ومات.
فملك بعده ابنه مهدي بن علي بن مهدي، ثم عبد النّبي بن مهدي بن علي بن مهدي، وخرجت المملكة عن عبد النّبي إلى أخيه عبد اللّه، ثم عادت إلى عبد النّبي. واستقرّ حتى سار إليه توران شاه بن أيّوب من مصر، في سنة تسع وستين وخمس مائة، وفتح اليمن، وأسر عبد النّبي، وهو آخر ملوك بني مهدي. وكان عليّ بن مهدي يكفّر بالمعاصي، ويقتل من خالف اعتقاده، ويستبيح وطء نسائهم واسترقاق أولادهم. وكان حنفيّ الفروع، ولأصحابه فيه غلوّ زائد، ومن مذهبه قتل من شرب الخمر ومن سمع الغناء.