أمّا بقيّة أجزاء الكتاب الثّلاثة فقد تخيّرت لكلّ جزء الجزء المقابل له من نسخ غير كاملة نقلت جميعها من خطّ المؤلّف وكتبت قبل نهاية القرن التاسع الهجري، مع الاستعانة للإيضاح ببقيّة النّسخ المنقولة أيضا من خطّ المؤلّف والمكتوبة قبل نهاية القرن العاشر الهجري. وللأسف فإنّ هذه النّسخ لم تصل إلينا كاملة لأنها تميّزت باحتوائها على التّعليقات والحواشي التي أضافها المقريزي بخطّه على نسخته الخاصّة المنقول منها، وأثبتت كذلك أماكن البياض والفراغ التي تركها المقريزي في نسخته لاستدراكها محدّدة بالسّطر، وذلك إضافة إلى مقابلتها على قطعتي المسوّدة.
واشتملت بعض هذه الأجزاء (نسخة مكتبة آياصوفيا بإستانبول رقم ٣٤٨٤ الخاصّة بالمجلّد الثّالث) على تعليقات أضافها ناسخ النّسخة تحدّث مواضع بعض المعالم ذاكرة ما طرأ عليها أو ما حلّ محلّها، وحرص مسجّل هذه التّعليقات في كلّ مرّة يذكرها فيها إلى الإشارة إلى أنّ ذلك تمّ في عهد سلطان زماننا السّلطان الأشرف قايتباي قرب نهاية القرن التاسع الهجري. وأثبت النّسّاخ الذين نقلوا مباشرة عن أصل المقريزي الذي كتبه بخطّه كذلك جميع الفوائد والتّعليقات التي أثبتها في صدر وخاتمة كلّ جزء من أجزاء نسخته.
ودفعني إلى عدم إثبات أي فروق بين النّسخ التي اعتمدتها، أنّ نصّ هذه النّسخ يكاد يكون متطابقا، فيما عدا انتقال النّظر وبعض الفروق الطّفيفة التي أشرت إليها في مواضعها؛ لأنّها نقلت جميعها من أصل واحد هو أصل المؤلّف الذي كتبه بخطّه؛ ولكنّ الفروق التي أثبتّها كانت هي الاختلافات الموجودة بين النّصّ الذي وقع عليه اختياري وبين ما جاء في «مسوّدة المؤلّف» والتي فضّلت أحيانا إثبات قراءتها على ما جاء في المبيّضة لأنّه أكثر وضوحا وتفصيلا، وكذلك الاختلافات بين النّصّ المثبت وبين ما جاء في طبعة بولاق، وقد أوضحت هذه الفروق - دون شك - حجم التّصحيف والتّحريف والتّلفيق والسّقط الذي ملأ صفحات هذه الطّبعة، والذي يتطلّب لذلك إعادة قراءة النّصّ وإعادة النّظر في الكثير من الأحكام التي بنيت اعتمادا على هذه الطّبعة المغلوطة، وإن كانت قدّمت - دون شكّ - خدمة مهمّة في غيبة نصّ آخر صحيح للكتاب.
ونظرا لأنّ هذه الطّبعة بقيت دهرا طويلا في أيدي العلماء وأحالوا إليها في حواشيهم ودراساتهم، فقد أثبتّ في الهامش الدّاخلي لهذه النّشرة الجديدة أرقام صفحات طبعة بولاق لأعين الباحث على التّعرّف بسهولة ويسر على مواضع هذه الإحالات في نشرتي هذه، وساعدتني هذه الطّريقة كذلك على ربط أقسام الكتاب بعضها ببعض، وأحلت عليها في تعليقاتي بدلا من انتظار طبع الكتاب بتمامه لمعرفة التّصفيح الجديد؛ فعندما أحيل القارئ الكريم