فلمّا ركب السّلطان إلى الميدان على عادته، وجد نحو عشرين ألف نفس من العامّة قد صبغوا خرقا بلون أزرق، وعملوا فيها صلبانا بيضا، وعندا رأوا السّلطان صاحوا بصوت عال واحد:«لا دين إلاّ دين الإسلام». «نصر اللّه دين محمّد بن عبد اللّه». «يا ملك الناصر يا سلطان الإسلام انصرنا على أهل الكفر، ولا تنصر النصارى». فارتجّت الدّنيا من هول أصواتهم، وأوقع اللّه الرّعب في قلب السّلطان وقلوب الأمراء، وسار وهو في فكر زائد حتى نزل بالميدان، وصراخ العامّة لا يبطل. فرأى أنّ الرّأي في استعمال المداراة، وأمر الحاجب أن يخرج وينادي بين يديه:
من وجد نصرانيّا فله ماله ودمه، فخرج ونادى بذلك، فصاحت العامّة وصرخت:«نصرك اللّه»، وضجّوا بالدّعاء.
وكان النصارى يلبسون العمائم البيض، فنودي في القاهرة ومصر:«من وجد نصرانيّا بعمامة بيضاء حلّ له دمه وماله، ومن وجد نصرانيّا راكبا حلّ له دمه وماله». وخرج مرسوم بلبس النصارى العمامة الزّرقاء، وألاّ يركب أحد منهم فرسا ولا بغلا، ومن ركب حمارا فليركبه مقلوبا، ولا يدخل نصرانيّ الحمّام إلاّ وفي عنقه جرس، ولا يتزيّا أحد منهم بزيّ المسلمين.
ومنع الأمراء من استخدام النصارى، وأخرجوا من ديوان السّلطان، وكتب لسائر الأعمال بصرف جميع المباشرين من النصارى، وكثر إيقاع المسلمين بالنصارى حتى تركوا السّعي في الطرقات، وأسلم منهم جماعة كثيرة (١). وكان اليهود قد سكت عنهم في هذه المدّة، فكان النصرانيّ إذا أراد أن يخرج من منزله، يستعير عمامة صفراء من أحد من اليهود، ويلبسها حتى يسلم من العامّة.
واتّفق أنّ بعض دواوين النصارى كان له عند يهودي مبلغ أربعة آلاف درهم نقرة، فصار إلى بيت اليهودي وهو متنكّر في الليل ليطالبه، فأمسكه اليهودي وقال: أنا باللّه وبالمسلمين، وصاح. فاجتمع الناس لأخذ النصراني، ففرّ إلى داخل بيت اليهودي، واستجار بامرأته، وأشهد عليه بإبراء اليهودي حتى خلص منه.
وعثر على طائفة من النصارى بدير الخندق يعملون النفط لإحراق الأماكن، فقبض عليهم وسمّروا.