للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونودي في الناس بالأمان، وأنّهم يتفرّجون على عادتهم عند ركوب السّلطان إلى الميدان.

وذلك أنّهم كانوا قد تخوّفوا على أنفسهم لكثرة ما أوقعوا بالنصارى، وزادوا في الخروج عن الحدّ، فاطمأنّوا وخرجوا على العادة إلى جهة الميدان، ودعوا للسّلطان، وصاروا يقولون: «نصرك اللّه يا سلطان الأرض، اصطلحنا اصطلحنا»، وأعجب السّلطان ذلك، وتبسّم من قولهم.

وفي تلك الليلة وقع حريق في بيت الأمير ألماس الحاجب من القلعة، وكان الرّيح شديدا، فقويت النار وسرت إلى بيت الأمير أيتمش، فانزعج أهل القلعة وأهل القاهرة، وحسبوا أنّ القلعة جميعها احترقت.

ولم يسمع بأشنع من هذه الكائنة. فإنّه احترق على يد النصارى بالقاهرة ربع في سوق الشّوّائين، وزقاق العريسة بحارة الدّيلم، وستة عشر بيتا بجوار بيت كريم الدّين، وعدّة أماكن بحارة الرّوم، ودار بهادر بجوار المشهد الحسيني، وأماكن بإسطبل الطارمة وبدرب العسل، وقصر أمير سلاح، وقصر سلار بخطّ بين القصرين، وقصر بيسري، وخان الحجر والجملون، وقيساريّة الأدم، ودار بيبرس/ بحارة الصّالحيّة، ودار ابن المغربي بحارة زويلة، وعدّة أماكن بخطّ بئر الوطاويط وبالحكر وفي قلعة الجبل، وفي كثير من الجوامع والمساجد، إلى غير ذلك من الأماكن بمصر والقاهرة يطول عددها.

وخرب من الكنائس «كنيسة بخرائب التّتر» من قلعة الجبل، و «كنيسة الزّهري» في الموضع الذي فيه الآن البركة الناصريّة، و «كنيسة الحمراء» وكنيسة بجوار السّبع سقايات تعرف ب «كنيسة البنات»، و «كنيسة أبي المنيا»، و «كنيسة الفهّادين» بالقاهرة، و «كنيسة بحارة الرّوم»، و «كنيسة بالبندقانيين»، و «كنيستان بحارة زويلة»، و «كنيسة بخزانة البنود»، و «كنيسة بالخندق»، و «أربع كنائس بثغر الإسكندرية»، و «كنيستان بمدينة دمنهور الوحش»، و «أربع كنائس بالغربيّة»، و «ثلاث كنائس بالشّرقيّة»، و «ستّ كنائس بالبهنساوية»، وبسيوط ومنفلوط ومنية الخصيب «ثمان كنائس»، وبقوص وأسوان «إحدى عشرة كنيسة»، وبالأطفيحيّة» كنيسة»، وبسوق وردان من مدينة مصر، وبالمصّاصة وقصر الشّمع من مصر «ثمان كنائس». وخرب من الدّيارات شيء كثير، وأقام دير البغل ودير شهران مدّة ليس فيهما أحد.

وكانت هذه الخطوب الجليلة في مدّة يسيرة، قلّما يقع مثلها في الأزمان المتطاولة، هلك فيها من الأنفس، وتلف فيها من الأموال وخرب من الأماكن، ما لا يمكن وصفه لكثرته، وللّه عاقبة الأمور.