فخرج الأمراء بعد ما تلكّأوا في المسير حتى اشتهر الخبر، فلم يجدوا أحدا من الناس حتى ولا غلمان الأمراء وحواشيهم. ووقع القول بذلك في القاهرة، فغلّقت الأسواق جميعها، وحلّ بالناس أمر لم يسمع بأشدّ منه، وسار الأمراء فلم يجدوا في طول طريقهم أحدا إلى أن بلغوا باب النصر، وقبض الوالي من باب اللوق وناحية بولاق وباب البحر كثيرا من الكلابزيّة والنواتيّة وأسقاط الناس.
فاشتدّ الخوف، وعدّى كثير من الناس إلى البرّ الغربي بالجيزة، وخرج السّلطان من الميدان، فلم يجد في طريقه إلى أن صعد قلعة الجبل/ أحدا من العامّة. وعند ما استقرّ بالقلعة، سيّر إلى الوالي يستعجل حضوره، فما غربت الشّمس حتى أحضر ممّن أمسك من العامّة نحو مائتي رجل. فعزل منهم طائفة أمر بشنقهم، وجماعة رسم بتوسيطهم، وجماعة رسم بقطع أيديهم.
فصاحوا بأجمعهم: يا خوند، ما يحلّ لك، ما نحن الذين رجمنا. فبكى الأمير بكتمر السّاقي، ومن حضر من الأمراء رحمة لهم، وما زالوا بالسّلطان إلى أن قال للوالي: اعزل منهم جماعة، وانصب الخشب من باب زويلة إلى تحت القلعة بسوق الخيل وعلّق هؤلاء بأيديهم. فلمّا أصبح يوم الأحد، علّق الجميع من باب زويلة إلى سوق الخيل، وكان فيهم من له بزّة وهيئة، ومرّ الأمراء بهم، فتوجّعوا لهم وبكوا عليهم. ولم يفتح أحد من أرباب الحوانيت بالقاهرة ومصر في هذا اليوم حانوتا، وخرج كريم الدّين من داره يريد القلعة على العادة، فلم يستطع المرور على المصلوبين، وعدل عن طريق باب زويلة.
وجلس السّلطان في الشّبّاك، وقد أحضر بين يديه جماعة ممّن قبض عليهم الوالي، فقطع أيدي وأرجل ثلاثة منهم، والأمراء لا يقدرون على الكلام معه في أمرهم لشدّة حنقه.
فتقدّم كريم الدّين، وكشف رأسه، وقبّل الأرض وهو يسأل العفو، فقبل سؤاله وأمر بهم أن يعملوا في حفير الجيزة، فأخرجوا وقد مات ممّن قطع أيديهم اثنان، وأنزل المعلّقون من على الخشب.
وعند ما قام السّلطان من الشّبّاك، وقع الصّوت بالحريق في جهة جامع ابن طولون، وفي قلعة الجبل، وفي بيت الأمير ركن الدّين الأحمدي بحارة بهاء الدّين، وبالفندق خارج باب البحر من المقس، وما فوقه من الرّبع. وفي صبيحة يوم هذا الحريق، قبض على ثلاثة من النصارى وجد معهم فتائل النفط، فأحضروا إلى السّلطان، واعترفوا بأنّ الحريق كان منهم، واستمرّ الحريق في الأماكن إلى يوم السبت.