للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعماله كلّها بذلك، وأحرق عدّة صلبان كثيرة، ومنع النصارى من شراء العبيد والإماء. وهدم الكنائس التي بخطّ راشدة ظاهر مدينة مصر، وأخرب كنائس المقس خارج القاهرة، وأباح ما فيها للناس، فانتهبوا منها ما يجلّ وصفه (١) وهدم دير القصير، وأنهب العامّة ما فيه، ومنع النصارى من عمل الغطاس على شاطئ النيل بمصر، وأبطل ما كان يعمل فيه من الاجتماع للهو.

وألزم رجال النصارى بتعليق الصّلبان الخشب - التي زنة كلّ صليب منها خمسة أرطال - في أعناقهم، ومنعهم من ركوب الخيل، وجعل لهم أن يركبوا البغال والحمير بسروج ولجم غير محلاّة بالذّهب والفضّة، بل تكون من جلود سود.

وضرب بالجرس في القاهرة ومصر. أن لا يركب أحد من المكاريّة ذميّا، ولا يحمل نوتي مسلم أحدا من أهل الذّمّة، وأن تكون ثياب النصارى وعمائمهم شديدة السّواد، وركب سروجهم من خشب الحمير، وأن يعلّق اليهود في أعناقهم خشبا مدوّرا زنة الخشبة منها خمسة أرطال، وهي ظاهرة فوق ثيابهم.

وأخذ في هدم الكنائس كلّها، وأباح ما فيها وما هو محبّس عليها للناس نهبا وإقطاعا.

فهدمت بأسرها، ونهب جميع أمتعتها، وأقطع أحباسها، وبنى في مواضعها المساجد، وأذن بالصّلاة في كنيسة شنودة بمصر، وأحيط بكنيسة المعلّقة في قصر الشّمع.

وأكثر الناس من رفع القصص بطلب كنائس أعمال مصر ودياراتها. فلم يردّ قصّة منها إلاّ وقد وقّع عليها بإجابة رافعها لما سأل فأخذوا أمتعة الكنائس والدّيارات، وباعوا بأسواق مصر ما وجدوا من أواني الذّهب والفضّة وغير ذلك، وتصرّفوا في أحباسها. ووجد بكنيسة شنودة مال جليل، ووجد في المعلّقة من المصاغ وثياب الدّيباج أمر كثير جدّا إلى الغاية.

وكتب إلى ولاة الأعمال بتمكين المسلمين من هدم الكنائس والدّيارات،/ فعمّ الهدم فيها من سنة ثلاث وأربع مائة؛ حتى ذكر من يوثق به في ذلك أنّ الذي هدم إلى آخر سنة خمس وأربع مائة، بمصر والشّام وأعمالهما، من الهياكل التي بناها الرّوم نيّف وثلاثون ألف بيعة، ونهب ما فيها من آلات الذّهب والفضّة وقبض على أوقافها، وكانت أوقافا جليلة على مبان عجيبة.

وألزم النصارى أن تكون الصّلبان في أعناقهم إذا دخلوا الحمّام، وألزم اليهود أن يكون في أعناقهم الأجراس إذا دخلوا الحمّام ثم ألزم اليهود والنصارى بخروجهم كلّهم من أرض مصر إلى


(١) يحيى بن سعيد: تاريخ ٢٥٢ - ٢٥٣؛ ابن أبيك: كنز الدرر ٢٧٠: ٦؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٤٨: ٢.