تسلّمها منهم بطرك الملكيّة أرسانيوس في أيّام العزيز باللّه نزار بن المعزّ (١).
وفي سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة، قدّم اليعاقبة زخارياس (a) بطركا، فأقام ثماني وعشرين سنة: منها في البلايا مع الحاكم بأمر اللّه أبي علي منصور بن العزيز باللّه تسع سنين، اعتقله فيها ثلاثة أشهر، وأمر به فألقي للسّباع هو وسوسنة النوبي، فلم تضرّه فيما زعم النصارى. ولمّا مات خلا الكرسي بعده أربعة وسبعين يوما (٢).
وفي بطركيته نزل بالنصارى شدائد لم يعهدوا مثلها، وذلك أنّ كثيرا منهم كان قد تمكّن في أعمال الدّولة حتى صاروا كالوزراء وتعاظموا لاتّساع أحوالهم وكثرة أموالهم، فاشتدّ بأسهم، وتزايد ضررهم ومكايدتهم للمسلمين. فأغضب الحاكم بأمر اللّه ذلك - وكان لا يملك نفسه إذا غضب - فقبض على عيسى بن نسطورس النصراني، وهو إذ ذاك في رتبة تضاهي رتبة الوزراء، وضرب عنقه (٣). ثم قبض على فهد بن إبراهيم النصراني، كاتب الأستاذ برجوان، وضرب عنقه (٤).
وتشدّد على النصارى، وألزمهم بلبس ثياب الغيار وشدّ الزّنّار في أوساطهم (٥)، ومنعهم من عمل الشّعانين وعيد الصّليب، والتّظاهر بما كانت عادتهم فعله في أعيادهم من الاجتماع واللهو، وقبض على جميع ما هو محبّس على الكنائس والدّيارات، وأدخله في الدّيوان، وكتب إلى
(a) في النسخ: زخريس، والتصويب من تاريخ بطاركة الكنيسة. (١) المكين بن العميد: تاريخ المسلمين ٢٤٧، وفيه أنّ سبب ذلك «أنّ العزيز باللّه تزوّج امرأة نصرانية ملكيّة ورزق منها بنتا. وكان للمرأة أخوان: أحدهما اسمه أرستس صيّره بطركا على بيت المقدس، والآخر أرسانيوس صيّره بطركا للملكيّة على القاهرة ومصر، وكان لهما من العزيز جانب لأنّهما أخولة ابنته وتقدّما في مملكته، وأنّ أرسانيوس طلب الكنيسة من العزيز فأمر أن تعطى له». (٢) نفسه ٢٦٣ - ٢٦٤؛ ساويرس بن المقفع: تاريخ بطاركة الكنيسة ١١٦: ٢/ ٢ - ١٥١. (٣) توفي عيسى بن نسطورس في ثاني عشر ربيع الأوّل سنة ٤٠٣ هـ/ ١٠١٢ م من علّة ألّمت به، يقول المقريزي - أغلب الظّنّ نقلا عن المسبّحي -: «فتأسّف الحاكم على فقده من غير قتل وقال: ما أسفت على شيء قطّ أسفي على خلاص ابن نسطورس من سيفي وكنت أودّ ضرب عنقه لأنّه أفسد دولتي وخانني ونافق عليّ … ». (اتعاظ الحنفا ٨٥: ٢، ٩٣). (٤) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٤٤: ٢؛ ساويرس بن المقفع: تاريخ بطاركة الكنيسة ١٢٣: ٢/ ٢. (٥) انظر تفصيل ذلك عند يحيى بن سعيد: تاريخ ٢٥٦، ٢٩٥ - ٢٩٩؛ ساويرس بن المقفع: تاريخ ١٢٤: ٢/ ٢ - ١٢٥، ١٢٨؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٨٥: ٢، ٩٣ - ٩٥، وفيما تقدم ٢٨٣: ٢.