ثم قدّم اليعاقبة في سنة أربع وأربعين ومائتين شمّاسا بدير بومقّار، اسمه قسيما، فأقام في البطركيّة سبع سنين وخمسة أشهر ومات. فخلا الكرسي بعده أحدا وخمسين يوما (١). وفي أيّامه أمر توفيل بن ميخائيل، ملك الرّوم، بمحو الصّور من الكنائس، وأن لا تبقى صورة في كنيسة.
وكان سبب ذلك أنّه بلغه عن قيّم كنيسة أنّه عمل في صورة مريم ﵍ شبه ثدي يخرج منه لبن ينقط في يوم عيدها. فكشف عن ذلك، فإذا هو مصنوع ليأخذ به القيّم المال، فضرب عنقه، وأبطل الصّور من الكنائس، فبعث إليه قسيما (٢)، بطرك اليعاقبة، وناظره حتى سمح بإعادة الصّور على ما كانت عليه (٣).
ثم قدّم اليعاقبة ساتير (a) بطركا، فأقام تسع عشرة سنة ومات (٤).
فأقيم يوسابيوس في أوّل خلافة المعتزّ، فأقام إحدى عشرة سنة ومات، وعمل في بطركيّته مجاري تحت الأرض بالإسكندرية يجري بها الماء من الخليج إلى البيوت. وفي أيّامه قدم أحمد ابن طولون مصر أميرا عليها (٥).
ثم قدّم اليعاقبة ميخائيل، فأقام خمسا وعشرين سنة، ومات بعدما ألزمه أحمد بن طولون بحمل عشرين ألف دينار، باع فيها رباع الكنائس الموقوفة عليها، وأرض الحبش ظاهر فسطاط مصر، وباع الكنيسة بجوار المعلّقة من قصر الشّمع لليهود (٦)، وقرّر «الدّياريّة» على كلّ نصراني قيراطا في السّنة (٧)، فقام بنصف المقرّر عليه. وفي أيّامه قتل الأمير أبو الجيش خمارويه بن أحمد ابن
(a) كذا في النسخ، وفي المصادر النصرانية: سانيتو، سانوتيوس. (١) ابن العميد ١٥٢؛ ساويرس ٢: ١/ ٢ - ١٢. (٢) عند ابن البطريق وابن العميد: صفرونيوس. (٣) سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ٦٣: ٢ - ٦٤؛ المكين بن العميد: تاريخ المسلمين ١٥٢ - ١٥٣. (٤) المكين بن العميد: تاريخ المسلمين ١٥٩؛ ساويرس: تاريخ البطاركة ٧٠: ٢/ ٢. (٥) نفسه ١٦١. (٦) المكين بن العميد: تاريخ المسلمين ٢٢١؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣١٧: ٥. وهي الكنيسة المعروفة ب «كنيسة الشّاميين» والتي تعرف الآن ب «معبد بن عزرة». (فيما تقدم ٩٤٠). (٧) الدّياريّة. هي الصّدقات التي كان النصارى يدفعونها كلّ عام إلى الأساقفة أو الأديرة، ثم يتولّى البطرك جمعها من كلّ أسقف. واستقرّت الدّياريّة في جميع كراسي مصر على كلّ نسمة من الرّجال والنساء قيراط ذهب في السّنة، وصار الأساقفة يأخذون ذلك فيقتاتون به ويدفعوا منه «الدّياريّة» للبطرك في كلّ سنة، وهي جملة دنانير على كلّ واحد على قدر كرسيه. (ساويرس بن المقفع: تاريخ بطاركة الكنيسة ٢/ ٢٥: ١، ٧٩: ٢/ ٢).