للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى حيّان بن شريح أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم.

وهذا يدلّ على أنّ عمر كان يرى أنّ أرض مصر فتحت عنوة، وأنّ الجزية إنّما هي على القرى، فمن مات من أهل القرى كانت تلك الجزية ثابتة عليهم، وأنّ موت من مات منهم لا يضع عنهم من الجزية شيئا. قال: ويحتمل أن تكون مصر فتحت بصلح، فذلك الصّلح ثابت على من بقي منهم، وأنّ موت من مات منهم لا يضع عنهم ممّا صالحوا عليه شيئا (١).

قال اللّيث: وضع عمر بن عبد العزيز الجزية على من أسلم من أهل الذّمّة من أهل مصر، وألحق في الدّيوان صلح من أسلم منهم في عشائر من أسلموا على يديه، وكانت تؤخذ قبل ذلك ممّن أسلم. وأوّل من أخذ الجزية ممّن أسلم من أهل الذّمّة الحجّاج بن يوسف.

ثم كتب عبد الملك بن مروان إلى/ عبد العزيز بن مروان أن يضع الجزية على من أسلم من أهل الذّمّة، فكلّمه ابن حجيرة في ذلك قال: أعيذك باللّه أيّها الأمير أن تكون أوّل من سنّ ذلك بمصر، فواللّه إنّ أهل الذّمّة ليتحمّلون جزية من ترهّب منهم، فكيف تضعها على من أسلم منهم؟ فتركهم عند ذلك.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى حيّان بن شريح: أن تضع الجزية عمّن أسلم من أهل الذّمّة، فإنّ اللّه قال: ﴿فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا اَلصَّلاةَ وَآتَوُا اَلزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اَللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الآية ٥ سورة التوبة]، وقال: ﴿قاتِلُوا اَلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلا بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اَللّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ اَلْحَقِّ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا اَلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ﴾ [الآية ٢٩ سورة التوبة] (٢).

وكتب حيّان بن شريح إلى عمر بن عبد العزيز:

«أمّا بعد، فإنّ الإسلام قد أضرّ بالجزية حتى سلفت من الحارث بن ثابتة عشرين ألف دينار أتممت بها عطاء أهل الدّيوان، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بقضائها فعل».

فكتب إليه عمر:

«أمّا بعد، فقد بلغني كتابك، وقد ولّيتك جند مصر، وأنا عارف بضعفك، وقد أمرت رسولي بضربك على رأسك عشرين سوطا، فضع


(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٥٤ - ١٥٥.
(٢) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٥٥ - ١٥٦.