الجزية عمّن أسلم، قبّح اللّه رأيك، فإنّ اللّه إنّما بعث محمدا ﷺ هاديا ولم يبعثه جابيا، ولعمري لعمر أشقى من أن يدخل الناس كلّهم الإسلام على يديه» (١).
قال: ولمّا استبطأ عمر بن الخطّاب ﵁ الخراج من قبل عمرو بن العاص، كتب إليه:
«بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام اللّه عليك، فإنّي أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو.
أمّا بعد، فإنّي فكّرت في أمرك والذي أنت عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، وقد أعطى اللّه أهلها عددا وجلدا وقوّة في برّ وبحر، وإنّها قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملا محكما، مع شدّة عتوّهم وكفرهم، فعجبت من ذلك، وأعجب ممّا عجبت أنّها لا تؤدّي نصف ما كانت تؤدّيه من الخراج قبل ذلك، على غير قحوط ولا جدوب (a). ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أنّ ذلك سيأتينا على غير نزر، ورجوت أن تفيق فترفع إليّ ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها لا توافق الذي في نفسي، ولست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدري مع ذلك ما الذي نفّرك من كتابي وقبضك، فلئن كنت مجزئا كافئا صحيحا، إنّ البراءة لنافعة، وإن كنت مضيعا نطفا، إنّ الأمر لعلى غير ما تحدّث به نفسك. وقد تركت أن أبتلي ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق فترفع إليّ ذلك. وقد علمت أنّه لم يمنعك من ذلك إلاّ عمّالك عمّال السّوء، وما توالس عليه (b) وتلفّف، اتّخذوك كهفا، وعندي بإذن اللّه دواء فيه شفاء عمّا أسألك عنه (c). فلا تجزع أبا عبد اللّه أن يؤخذ منك الحقّ وتعطاه، فإنّ النّهر يخرج الدّرّ، والحقّ أبلج، ودعني وما عنه تلجلج، فإنّه قد برح الخفاء. والسّلام» (٢).
(a) بولاق: جدب. (b) بولاق: عليك. (c) بولاق: فيه. (١) قارن مع ابن سعد: الطبقات الكبرى ٣٨٤: ٥. (٢) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٥٨ - ١٥٩.