للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عرّافو كلّ قرية وأمراؤها ورؤساء أهلها، فيتناظرون في العمارة والخراب، حتى إذا أقرّوا من القسم بالزيادة انصرفوا بتلك القسمة إلى الكور، ثم اجتمعوا هم ورؤساء القرى فوزّعوا ذلك على احتمال القرى وسعة المزارع.

ثم ترجع كلّ قرية بقسمتهم فيجمعون قسمهم وخراج كلّ قرية وما فيها من الأرض العامرة، فيبتدئون ويخرجون من الأرض فدادين لكنائسهم وحمّاماتهم ومعدّياتهم من جملة الأرض، ثم يخرج منها عدد الضّيافة للمسلمين ونزول السّلطان. فإذا فرغوا نظروا لما في كلّ قرية من الصّنّاع والأجراء، فقسّموا عليهم بقدر احتمالهم، فإن كانت فيهم جالية قسموا عليها بقدر احتمالها، وقلّما كانت تكون إلاّ للرجل الشّاب أو المتزوّج؛ ثم ينظرون ما بقي من الخراج فيقسّمونه بينهم على عدد الأرض، ثم يقسمون ذلك بين من يريد الزّرع منهم على قدر طاقتهم: فإن عجز أحد منهم وشكا ضعفا عن زرع أرضه، وزّعوا ما عجز عنه على ذوي الاحتمال، وإن كان منهم من يريد الزّيادة أعطي ما عجز عنه أهل الضّعف، فإن تشاحوا قسموا ذلك على عدّتهم.

وكانت قسمتهم على قراريط الدّنانير أربعة وعشرين قيراطا، يقسمون الأرض على ذلك، ولذلك روي عن النّبيّ : «إنّكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا»، وجعل لكلّ فدّان عليهم نصف أردبّ قمح وويبتين من شعير، إلاّ القرط فلم يكن عليه ضريبة، والويبة ستة أمداد.

وكان عمر بن الخطّاب يأخذ ممّن صالحه من المعاهدين ما سمّى على نفسه، لا يضع من ذلك شيئا ولا يزيد عليه. ومن نزل منهم على الجزّية ولم يسم شيئا يؤدّيه، نظر عمر في أمره، فإذا احتاجوا خفّف عنهم، وإن استغنوا زاد عليهم بقدر استغنائهم (١).

وقال هشام بن أبي رقيّة اللّخمي: قدم صاحب إخنا على عمرو بن العاص فقال له: أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فنصبر لها؛ فقال عمرو وهو يشير إلى ركن كنيسة: لو أعطيتني من الأرض إلى السّقف ما أخبرتك ما عليك، إنّما أنتم خزانة لنا: إن كثر علينا كثّرنا عليكم، وإن خفّف عنّا خفّفنا عنكم (٢).

a بولاق: تجتمع.


(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٥٢ - ٣٥٣.
(٢) نفسه ١٥٤، ١٧٦.