وكانت الليلة الخامسة عشرة، من شهر نيسان سنة إحدى وثمانين لموسى، فعند ذلك سارع فرعون إلى ترك بني إسرائيل، فخرج موسى ﵇ من ليلته هذه، ومعه بنو إسرائيل، من عين شمس.
وفي «التّوراة» أنّهم أمروا عند خروجهم أن يذبح أهل كلّ بيت حملا من الغنم إن كان كفايتهم، أو يشتركوا مع جيرانهم إن كان أكثر، وأن ينضحوا من دمه على أبوابهم ليكون علامة، وأن يأكلوا شواة رأسه وأطرافه ومعاه، ولا يكسروا منه عظما، ولا يدعوا منه شيئا خارج البيوت، وليكن خبزهم فطيرا، وذلك في اليوم الرابع عشر من فصل الرّبيع، وليأكلوا بسرعة، وأوساطهم مشدودة وخفافهم في أرجلهم وعصيّهم في أيديهم، ويخرجوا ليلا، وما فضل من عشائهم ذلك أحرقوه بالنار. وشرع هذا عيدا لهم ولأعقابهم، ويسمّى هذا «عيد الفصح»(١).
وفيها أنّهم أمروا أن يستعيروا منهم حليّا كثيرا يخرجون به، فاستعاروه وخرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدّوابّ والأنعام، وأخرجوا معهم تابوت يوسف ﵇ استخرجه موسى من المدفن الذي كان فيه بإلهام من اللّه تعالى. وكانت عدّتهم ستّ مائة ألف رجل محارب، سوى النساء والصّبيان والغرباء (٢)، وشغل القبط عنهم بالمآتم التي كانوا فيها على موتاهم، فساروا ثلاث مراحل ليلا ونهارا، حتى وافوا إلى فوّهة الجبروت - وتسمّى نار موسى - وهو ساحل البحر بجانب الطور.
فانتهى خبرهم إلى فرعون في يومين وليلة، فندم بعد خروجهم، وجمع قومه، وخرج في كثرة، كفاك/ عن مقدارها قول اللّه ﷿، إخبارا عن فرعون، أنّه قال عن بني إسرائيل - وعدّتهم ما قد ذكر، على ما جاء في التّوراة -: ﴿إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * * وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ﴾ [الآيتان ٥٤، ٥٥ سورة الشعراء]. ولحق بهم في اليوم الحادي والعشرين من نيسان، فأقام العسكران ليلة الواحد والعشرين على شاطئ البحر.
وفي صبيحة ذلك اليوم، أمر موسى أن يضرب البحر بعصاه ويقتحمه، ففلق اللّه لبني إسرائيل البحر اثني عشر طريقا، عبر كلّ سبط من طريق، وصارت المياه قائمة عن جانبهم كأمثال الجبال، وصيّر قاع البحر طريقا مسلوكا لموسى ومن معه، وتبعهم فرعون وجنوده فلمّا خاض بنو
(١) التوراة، سفر الخروج ١/ ١٢ - ٢٨. (٢) التوراة، سفر الخروج ٣٥/ ١٢ - ٣٨؛ وقارن سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ٣١: ١، ونشرة Breydy ٢ - ٣؛ الثعلبي: قصص الأنبياء ١٧٣ - ١٧٤؛ النويري: نهاية الأرب ٢٠٨: ١٣.