للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرعون وأهل مصر - كما قال اللّه تعالى: .. يسومونهم سوء العذاب ويستعبدونهم (١).

فلمّا مضى من سنة الثمانين لموسى شهر وأسبوع، كلّمه اللّه جلّ اسمه - وكان ذلك في اليوم الخامس عشر من شهر نيسان - وأمره أن يذهب إلى فرعون، وشدّ عضده بأخيه هارون، وأيّده بآيات: منها قلب العصا حيّة، وبياض يده من غير سوء، وغير ذلك من الآيات العشر التي أحلّها اللّه بفرعون وقومه، وكان مجيء الوحي من اللّه تعالى إليه وهو ابن ثمانين سنة.

ثم قدم مصر في شهر أيار، ولقي أخاه هارون، فسرّ به، وأطعمه جلبانا فيه ثريد، وتنبّأ هارون وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وغدا به إلى فرعون، وقد أوحي إليهما أن يأتيا إلى فرعون ليبعث معهما بني إسرائيل، فيستنقذانهم من هلكة القبط وجور الفراعنة، ويخرجون إلى الأرض المقدّسة التي وعدهم اللّه بملكها على لسان إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فأبلغا ذلك بني إسرائيل عن اللّه، فآمنوا بموسى واتّبعوه.

ثم حضرا إلى فرعون، فأقاما ببابه أيّاما - وعلى كلّ منهما جبّة صوف، ومع موسى عصاه - وهما لا يصلان إلى فرعون لشدّة حجّابه. حتى دخل عليه مضحك كان يلهو به، فعرّفه أنّ بالباب رجلين يطلبان الإذن عليك، يزعمان أنّ إلههما قد أرسلهما إليك، فأمر بإدخالهما. فلمّا دخلا عليه خاطبه موسى بما قصّه اللّه في كتابه، وأراه آية العصا وآيته في بياض اليد (٢).

فغاظ فرعون ما قاله موسى، وهمّ بقتله، فمنعه اللّه سبحانه بأن رأى صورة قد أقبلت، ومسحت على أعينهم فعموا. ثم إنّه لما فتح عن عينيه، أمر قوما آخرين بقتل موسى، فأتتهم نار أحرقتهم، فازداد غيظه، وقال لموسى: من أين لك هذه النواميس العظام؟ أسحرة بلدي علّموك هذا، أم تعلّمته بعد خروجك من عندنا؟ فقال: هذا ناموس السّماء، وليس من نواميس الأرض.

قال فرعون: ومن صاحبه؟ قال: صاحب البنية العليا. قال: بل تعلّمتها من بلدي.

وأمر بجمع السّحرة والكهنة وأصحاب النواميس، وقال: اعرضوا عليّ أرفع أعمالكم، فإنّي أرى نواميس هذا السّاحر رفيعة جدّا. فعرضوا عليه أعمالهم، فسرّه ذلك، وأحضر موسى، وقال له: لقد وقفت على سحرك، وعندي من يفوق عليك. فواعدهم «يوم الزّينة». وكان جماعة من البلد قد اتّبعوا موسى فقتلهم فرعون. ثم إنّه جمع بين موسى وبين سحرته، وكانوا مائتي ألف


(١) يعني ما ذكرته الآيات أرقام ٤٩ سورة البقرة و ١٤١ سورة الأعراف و ٦ سورة إبراهيم؛ وكذلك التوراة، سفر الخروج ٢٣/ ٢ - ٢٥.
(٢) يعني الآيات ٩ - ٢٢ سورة طه.