الناس جميعا أن يقوموا على أرجلهم في مجلسه، ومدّ يده إلى الأموال، ومنع الناس من فضول ما بأيديهم، وقصرهم على القوت، وابتزّ كثيرا من النساء، وفعل أكثر ممّا فعله ملك تقدّمه، واستعبد بني إسرائيل، فأبغضه الخاصّ والعامّ.
وكان طلما، لمّا صرف عن الوزارة وخرج إلى الصّعيد، أراد إزالة الملك والخروج عن طاعته.
فجبى المال، وامتنع من حمله، وأخذ المعادن لنفسه، وهمّ أن يقيم ملكا من ولد قبطرين ويدعو الناس إلى طاعته، ثم انصرف عن ذلك، ودعا لنفسه، وكاتب الوجوه والأعيان، فافترق الناس، وتطاول كلّ واحد من أبناء الملوك إلى الملك، وطمع فيه. ويقال: إنّ روحانيّا ظهر لطلما، وقال له: إن أطعتني قلّدتك مصر زمانا طويلا، فأجابه وقرّب إليه أشياء، منها غلام من بني إسرائيل، فصار عونا له (١).
وبلغ الملك خبر خروج طلما عن طاعته، فوجّه إليه قائدا قلّده مكانه، وأمره أن يقبض على طلما، ويبعث به إليه موثقا، فصار إليه، وخرج طلما للقائه، وحاربه فظفر به، واستولى على ما معه، فجهّز إليه الملك قائدا آخر فهزمه، وسار في إثره - وقد كثّف جمعه - فبرز إليه الملك، واحتربا، فكانت لطلما على الملك فقتله، واستولى على مدينة منف، ونزل قصر المملكة (٢).
وهذا هو فرعون موسى ﵇ وبعضهم يسمّيه الوليد بن مصعب، وقيل هو من العمالقة، وهو سابع الفراعنة. ويقال إنّه كان قصيرا، طويل اللحية، أشهل العينين، صغير العين اليسرى، في جبينه شامة، وكان أعرج. وقيل إنّه كان يكنى بأبي مرّة، وإنّ اسمه الوليد ابن مصعب، وإنّه أوّل من خضّب بالسّواد لمّا شاب؛ دلّه عليه إبليس (٣).
وقيل إنّه كان من القبط، وقيل إنّه دخل منف على أتان يحمل النطرون ليبيعه، وكان الناس قد اضطربوا في تولية الملك، فحكّموه ورضوا بتولية من يولّيه عليهم. وذلك أنّهم خرجوا إلى ظاهر مدينة منف ينتظرون أوّل من يظهر عليهم ليحكّموه، فكان هو أوّل من أقبل بحماره، فلمّا
(١) النويري: نهاية الأرب ١٣٤: ١٥ - ١٣٥. (٢) نفسه ١٣٥: ١٥. وتتّفق أحداث هذه الاضطرابات هنا مع الرّوايات المصرية عن خروج بني إسرائيل والتي حفظها المؤرّخ اليهودي يوسفوس Josephus نقلا عن المؤرّخ مانيتون Manetho. وتشير هذه الرّواية إلى أنّ الفرعون أمينوفيس طرد من مصر نتيجة هذه الاضطرابات وأنّه اضطرّ للجوء إلى الحبشة حيث بقي بها ثلاثة عشر عاما. Josephus) with an english translation by Louis H. (Feldman، London ١٩٦٥، I، p. ٢٨١ (٣) نفسه ١٣٥: ١٥ - ١٣٦.