وهلك بلاطس الوزير، وقام من بعده في الوزارة كاهن يقال له أملاده، فأمر بإفراد بني إسرائيل ناحية في البلد، بحيث لا يختلط بهم غيرهم، فأقطعوا موضعا في قبلي مدينة منف صاروا إليه، وبنوا فيه معبدا كانوا يتلون به صحف إبراهيم، ﵇(١).
فخطب رجل من القبط بعض نسائهم، فأبوا أن ينكحوه - وقد كان هويها - فأكبر القبط فعلهم، وصاروا إلى الوزير، وشكوا من بني إسرائيل، وقالوا: هؤلاء قوم يعيبوننا، ويرغبون عن مناكحتنا، ولا نحبّ أن يجاورنا ما لم يدينوا بديننا. فقال لهم الوزير: قد علمتم إكرام طوطيس الملك لجدّهم، ونهراوش من بعده، وقد علمتم بركة يوسف، حتى جعلتم قبره وسط النيل، فأخصب جانبا مصر بمكانه. وأمرهم بالكفّ عن بني إسرائيل؛ فأمسكوا، إلى أن احتجب معدان وقام من بعده في الملك ابنه أكسامس - الذي يسمّيه بعضهم كاسم - بن معدان بن الرّيّان ابن الوليد بن دومع العمليقي، وهو السّادس من فراعنة مصر، وكان أوّلهم يقال له فرعان، فصار ذلك اسما لكلّ من تجبّر وعلا أمره (٢).
وطالت أيّام كاسم، ومات وزير أبيه، فأقام من بعده رجلا من بيت المملكة/ يقال له طلما ابن قومس. وكان شجاعا ساحرا، كاهنا كاتبا حكيما، دهيّا متصرّفا في كلّ فنّ، وكانت نفسه تنازعه الملك - ويقال إنّه من ولد أشمون الملك، وقيل من ولد صا - فأحبّه الناس، وعمّر الخراب، وبنى مدنا من الجانبين، ورأى في نجومه أنّه سيكون حدث وشدّة (٣).
وشكا القبط إليه من الإسرائيليين، فقال:«هم عبيدكم». فكان القبطي إذا أراد حاجة، سخّر الإسرائيلي وضربه، فلا يغير عليه أحد ولا ينكر عليه ذلك، فإن ضرب الإسرائيليّ أحدا من القبط قتل ألبتّة، وكذلك كانت تفعل نساء القبط بالنساء الإسرائيليات. فكانت أوّل شدّة وذلّ أصاب بني إسرائيل، وكثر ظلمهم وأذاهم من القبط (٤).
واستبدّ الوزير طلما بأمر البلد، كما كان العزيز مع نهراوش، وتوفي أكسامس الملك، فاتّهم طلما بأنّه سمّه، فركب في سلاحه، وأقام لا طس الملك مكان أبيه. وكان ابنه جريئا معجبا، فصرف طلما بن قومس عمّا كان عليه من خلافته، واستخلف رجلا يقال له «لاهوق» من ولد صا، وأنفذ طلما عاملا على الصّعيد، وسيّر معه جماعة من الإسرائيليين، وزاد تجبّره وعتوّه، وأمر
(١) النويري: نهاية الأرب ١٣٠: ١٥. (٢) نفسه ١٣٠: ١٥ - ١٣٢؛ وفيما تقدم ٣٦٣: ١. (٣) نفسه ١٣٣: ١٥. (٤) نفسه ١٣٣: ١٥؛ التوراة، سفر الخروج ١٣/ ١ - ١٤.