للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بنو إسرائيل - منذ مات لاوي بن يعقوب في سنة أربع وتسعين لدخول يعقوب مصر (١) - في البلاء مع القبط، وذلك أنّ يوسف لمّا مات في سنة ثمانين من قدوم يعقوب مصر، كان الملك إذ ذاك بمصر دارم بن الرّيّان - وهو الفرعون الرّابع عندهم، وتسمّيه القبط دريموس - فاستوزر بعده رجلا من الكهنة يقال له بلاطس، فحمله على أذى الناس، وخالف ما كان عليه يوسف (٢).

وساءت سيرة الملك حتى اغتصب كلّ امرأة جميلة بمدينة منف وغيرها من النواحي فشقّ ذلك من فعله على الناس، وهمّوا بخلعه من الملك. فقام الوزير بلاطس في الوساطة بينه وبين الناس، وأسقط عنهم الخراج لثلاث سنين، وفرّق فيهم مالا حتى سكنوا (٣).

واتّفق أنّ رجلا من الإسرائيليين ضرب بعض سدنة الهياكل فأدماه، وعاب دين الكهنة، فغضب القبط، وسألوا الوزير أن يخرج بني إسرائيل من مصر، فأبى. وكان دارم الملك قد خرج إلى الصّعيد، فبعث إليه يخبره بأمر الإسرائيلي، وما كان من القبط في طلبهم إخراج بني إسرائيل من مصر، فأرسل إليه ألاّ يحدث في القوم حدثا دون موافاته؛ فشغب القبط، وأجمعوا على خلع الملك وإقامة غيره.

فسار إليهم الملك، وكانت بينه وبينهم حروب قتل فيها خلق كثير، ظفر فيها الملك، وصلب ممّن خالفه بحافتي النيل طوائف لا تحصى، وعاد إلى أكثر ممّا كان عليه من ابتزاز النساء، وأخذ الأموال، واستخدام الأشراف والوجوه من القبط ومن بني إسرائيل فأجمع الكلّ على ذمّه. واتّفق أنّه ركب في النيل، فهاجت به الرّيح، وأغرقه اللّه ومن معه، ولم توجد جثّته إلاّ عند شطنوف (٤).

فأقام الوزير من بعده في الملك ابنه معاديوس، وكان صبيّا - ويسمّيه بعضهم معدان - فاستقام الأمر له، وردّ النساء اللاتي اغتصبهن أبوه، وهو خامس الفراعنة. فكثر بنو إسرائيل في زمنه، ولهجوا بثلب الأصنام وذمّها (٥).


(١) يتّفق هذا التاريخ مع ما جاء في سفر التّكوين بالتّوراة، فقد كان عمر يوسف عندما جاء يعقوب وأسرته إلى مصر تسعة وثلاثين عاما، وكان لاوي يكبره بأربع سنوات أي أنّ عمره كان ثلاثة وأربعين عاما، فيكون قد أمضى في مصر أربعا وتسعين عاما، وهو ما يتّفق مع ما جاء في سفر الخروج ٦/ ١ - ٩.
(٢) النويري: نهاية الأرب ١٢٧: ١٥، وفيما تقدم ٣٨٤: ١ - ٣٨٥.
(٣) نفسه ١٢٨: ١٥ - ١٢٩.
(٤) نفسه ١٢٩: ١٥ - ١٣٠.
وانظر عن قرية شطنوف وتحديد موضعها، فيما تقدم ١٦٦: ١ هـ ١.
(٥) نفسه ١٣٠: ١٥؛ وفيما تقدم ٣٨٥: ١.