أبي بكر بن حزم أمير المدينة: «ادع زيد بن الحسن فأقره الكتاب، فإن عرفه فاكتب إليّ، وإن هو نكل فقدّمه، فاحلف (a) يمينه عند منبر رسول اللّه ﷺ أنّه ما كتبه، ولا أمر به».
فخاف زيد اللّه واعترف، فكتب بذلك أبو بكر، فكتب سليمان أن يضربه مائة سوط، وأن يدرعه عباءة ويمشيه حافيا. فحبس عمر بن عبد العزيز الرّسول، وقال: حتى أكلّم أمير المؤمنين فيما كتب به في حقّ زيد. فقال للرّسول: لا تخرج فإنّ أمير المؤمنين مريض. فمات سليمان، وأحرق عمر الكتاب.
وأمّا والد نفيسة، وهو الحسن بن زيد، فهو الذي كان والي المدينة النبويّة من قبل أبي جعفر عبد اللّه بن محمد المنصور، وكان فاضلا أديبا عالما، وأمّه أمّ ولد، توفي أبوه وهو غلام، وترك عليه دينا أربعة آلاف دينار، فحلّف الحسن ولده ألاّ يظلّ رأسه سقف إلاّ سقف مسجد رسول اللّه ﷺ، أو بيت رجل يكلّمه في حاجة، حتى يقضي دين أبيه. فوفّاه، وقضاه بعد ذلك.
ومن كرمه أنّه أتي بشاب شارب متأدّب، وهو عامل على المدينة، فقال: يا ابن رسول اللّه لا أعود، وقد قال رسول اللّه ﷺ:«أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم»، وأنا ابن أبي أمامة بن سهل ابن حنيف، وقد كان أبي مع أبيك كما قد علمت. قال: صدقت، فهل أنت عائد؟ قال: لا واللّه. فأقاله، وأمر له بخمسين دينارا، وقال له: تزوّج بها وعد إليّ. فتاب الشّابّ، وكان الحسن ابن زيد يجري عليه النفقة.
وكانت نفيسة من الصّلاح والزّهد على الحدّ الذي لا مزيد عليه، فيقال إنّها حجّت ثلاثين حجّة. وكانت كثيرة البكاء، تديم قيام الليل وصيام النهار، فقيل لها: ألا ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبة لا يقطعها إلاّ الفائزون.
وكانت تحفظ القرآن وتفسيره. وكانت لا تأكل إلاّ في كلّ ثلاث ليال أكلة واحدة، ولا تأكل من غير زوجها شيئا.
وقد ذكر أنّ الإمام الشّافعي محمد بن إدريس كان زارها، وهي من وراء الحجاب، وقال لها:«ادعي لي»، وكان صحبته عبد اللّه بن عبد الحكم. وماتت ﵂ بعد موت الإمام الشّافعي - رحمة اللّه عليه - بأربع سنين، لأنّ الشّافعي توفيّ سلخ شهر رجب سنة أربع ومائتين، يقال إنّها فيمن (b) صلّى على الإمام الشّافعي.
(a) بولاق: فأصاب. (b) بولاق: وقيل إنّها كانت فيمن.