ووجبت البيعة في عنقي وعنقهم. قال: أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد، فلا آمن أن يحدث حدث فأهلك نفسي؟ فأذن له، فخرج إلى اليمامة.
وكتب عبد اللّه بن الحسن بن الحسن إلى زيد:
«أمّا بعد، فإنّ أهل الكوفة نفج العلانية، حور السّريرة، هوج في الرّدّ، أجزع في اللقا، تقدمهم ألسنتهم، ولا تتابعهم قلوبهم، ولقد تواترت كتبهم إليّ بدعوتهم، فصمّمت عن ندائهم، وألبست قلبي عشاء من ذكرهم، يأسا منهم، واطّراحا لهم. وما لهم مثل إلاّ ما قال عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه: إن أهملتم خضتم، وإن خوّرتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجبتم إلى مشاقة نكصتم».
فلم يصغ زيد إلى شيء من ذلك، وأقام على حاله يبايع الناس، ويتجهّز للخروج، وتزوّج بالكوفة امرأتين، وكان ينتقل تارة عند هذه في بني سلمة قومها، وتارة عند هذه في الأزد قومها، وتارة في بني عبس، وتارة في بني تغلب وغيرهم، إلى أن ظهر في سنة اثنتين وعشرين ومائة، فأمر أصحابه بالاستعداد، وأخذ من كان يريد الوفاء بالبيعة يتجهّز.
فبلغ ذلك يوسف بن عمر، فبعث في طلب زيد، فلم يوجد. وخاف زيد أن يؤخذ، فتعجّل قبل الأجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة، وعلى الكوفة يومئذ الحكم بن الصّلت في ناس من أهل الشّام، ويوسف بن عمر بالحيرة.
فلمّا علم أصحاب زيد أنّ يوسف بن عمر قد بلغه الخبر، وأنّه يبحث عن زيد، اجتمع إلى زيد جماعة من رءوسهم، فقالوا: رحمك اللّه، ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال زيد: رحمهما اللّه وغفر لهما، ما سمعت أحدا من أهل بيتي يقول فيهما إلاّ خيرا، وإنّ أشدّ ما أقول فيما ذكرتم: إنّا كنّا أحقّ بسلطان رسول اللّه ﷺ من الناس أجمعين، فدفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا، وقد ولوا فعدلوا في الناس، وعملوا بالكتاب والسّنّة. قالوا: فلم يظلمك هؤلاء إذا كان أولئك لم يظلموا؟ وإذا كان هؤلاء لم يظلموا فلم تدعو إلى قتالهم؟ فقال: إنّ هؤلاء ليسوا كأولئك، هؤلاء ظالمون لي ولأنفسهم ولكم، وإنّما ندعوهم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه محمد ﷺ، وإلى السّنن أن تحيى، وإلى البدع أن تطفأ، فإن أجبتمونا سعدتم، وإن أبيتم فلست عليكم بوكيل.