فإذا قال: نعم، مسح يده على يده، ثم قال: اللهم فاشهد. فبايعه خمسة عشر ألفا - وقيل أربعون ألفا - وأمر أصّحابه بالاستعداد. فأقبل من يريد أن يفي ويخرج معه يستعد ويتهيّأ. فشاع أمره في الناس. هذا على قول من زعم أنّه أتى الكوفة من الشّام، واختفى بها يبايع الناس.
وأمّا على قول من زعم أنّه أتى إلى يوسف بن عمر، لمرافعة خالد بن عبد اللّه القسري، أو ابنه يزيد بن خالد، فإنّه قال: أقام زيد بالكوفة ظاهرا، ومعه داود بن علي بن عبد اللّه بن عبّاس، وأقبلت الشّيعة تختلف إليه، وتأمره بالخروج ويقولون: إنّا لنرجو أن تكون أنت المنصور، وإنّ هذا الزّمان الذي يهلك فيه بنو أميّة.
فأقام بالكوفة، ويوسف بن عمر يسأل عنه، فيقال هو هاهنا، ويبعث إليه ليسير، فيقول:
نعم، ويعتل بالوجع. فمكث ما شاء اللّه. ثم أرسل إليه يوسف بالمسير عن الكوفة، فاحتجّ بأنّه يحاكم آل طلحة بن عبيد اللّه بملك بينهما بالمدينة. فأرسل إليه ليوكّل وكيلا ويرحل عنها. فلمّا رأى الجدّ من يوسف في أمره، سار حتّى أتى القادسيّة - وقيل الثّعلبيّة - فتبعه أهل الكوفة، وقالوا له: نحن أربعون ألفا، لم يتخلّف عنك أحد، نضرب عنك بأسيافنا، وليس هاهنا من أهل الشّام إلاّ عدّة يسيرة، وبعض قبائلنا يكفيهم بإذن اللّه، وحلفوا له بالأيمان المغلّظة. فجعل يقول: إنّي أخاف أن تخذلوني وتسلّموني، كفعلكم بأبي وجدّي. فيحلفون له.
فقال له داود بن علي: لا يغرّك يا ابن عمّي هؤلاء، أليس قد خذلوا من كان أعزّ عليهم منك:
جدّك علي بن أبي/ طالب حتّى قتل، والحسن من بعده بايعوه، ثم وثبوا عليه وانتزعوا رداءه وجرحوه؟ أوليس قد أخرجوا جدّك الحسين، وحلفوا له، ثم خذلوه وأسلموه، ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه؟ فلا ترجع معهم. فقالوا: يا زيد، إنّ هذا لا يريد أن تظهر أنت، ويزعم أنّه وأهل بيته أولى بهذا الأمر منكم. فقال زيد لداود: إنّ عليّا كان يقاتله معاوية بذهبه، وإنّ الحسين قاتله يزيد والأمر مقبل عليهم. فقال له داود: إنّي أخاف إن رجعت معهم ألاّ يكون أحد أشدّ عليك منهم، وأنت أعلم.
ومضى داود إلى المدينة، ورجع زيد إلى الكوفة فأتاه سلمة بن كهيل، فذكر له قرابته من رسول اللّه ﷺ وحقّه، فأحسن، ثم قال له: نشدتك اللّه، كم بايعك؟ قال: أربعون ألفا.
قال: فكم بايع جدّك؟ قال: ثمانون ألفا. قال: فكم حصل معه؟ قال: ثلاث مائة. قال:
نشدتك اللّه، أنت خير أم جدّك؟ قال: جدّي. قال: فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟ قال:
ذلك القرن. قال: أفتطمع أن يفي لك هؤلاء وقد غدر أولئك بجدّك؟ قال: قد بايعوني،