يا أمير المؤمنين، إنّ اللّه لم يرفع أحدا عن أن يرضى باللّه، ولم يضع أحدا عن ألاّ يرضى بذلك منه. فقال هشام: أنت زيد المؤمّل للخلافة وما أنت والخلافة - لا أمّ لك - وأنت ابن أمة؟ فقال زيد: لا أعلم أحدا عند اللّه أفضل من نبيّ بعثه، ولقد بعث اللّه نبيّا وهو ابن أمة، ولو كان به تقصير عن منتهى غاية لم يبعث، وهو إسماعيل بن إبراهيم، والنبوّة أعظم منزلة من الخلافة عند اللّه، ثم لم يمنعه اللّه من أن جعله أبا للعرب، وأبا لخير البشر محمّد ﷺ، وما يقصر برجل أبوه رسول اللّه ﷺ، وبعد أمّي فاطمة لا أفخر بأمّ. فوثب هشام من مجلسه، وتفرّق الشّاميون عنه، وقال لحاجبه: لا يبيت هذا في عسكري أبدا.
فخرج زيد وهو يقول: ما كره قوم قطّ جرّ السّيوف إلاّ ذلّوا. وسار إلى الكوفة، فقال له محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب: أذكّرك اللّه يا زيد لما لحقت بأهلك، ولا تأت أهل الكوفة، فإنّهم لا يفون لك. فلم يقبل، وقال: خرج بنا هشام أسراء على غير ذنب من الحجاز إلى الشّام، ثم إلى الجزيرة، ثم إلى العراق، ثم إلى تيس ثقيف يلعب بنا. وأنشد:
[الكامل]
بكرت تخوّفني الحتوف كأنّني … أصبحت عن عرض الحياة بمعزل
فأجبتها إنّ المنيّة منزل … لا بد أن أسقى بكأس المنهل
إنّ المنيّة لو تمثّل مثّلت … مثلي إذا نزلوا بضيق المنزل
فاقني حباك (a) لا أبا لك واعلمي … إنّي امرؤ سأموت إن لم أقتل
أستودعك اللّه، وإنّي أعطي اللّه عهدا إن دخلت يدي في طاعة هؤلاء ما عشت. وفارقه، وأقبل إلى الكوفة، فأقام بها مستخفيا يتنقّل في المنازل. فأقبلت الشّيعة تختلف إليه تبايعه، فبايعه جماعة من وجوه أهل الكوفة. وكانت بيعته:
«إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، وجهاد الظالمين، والدّفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسّواء، وردّ المظالم، وأفعال الخير، ونصرة أهل البيت، أتبايعون على ذلك؟».
فإذا قالوا: نعم، وضع يده على أيديهم ويقول:
«عليك عهد اللّه وميثاقه وذمّته وذمّة رسول اللّه ﷺ: لتؤمننّ بيعتي، ولتقاتلنّ عدوّي، ولتنصحنّ لي في السّرّ والعلانية.