للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حسن، فكانا يبلغان كلّ غاية، ويقومان فلا يعيدان ممّا كان بينهما حرفا.

فلمّا مات جعفر، نازعه عبد اللّه بن الحسن بن الحسن. فتنازعا يوما بين يدي خالد بن عبد الملك بن الحارث بالمدينة، فأغلظ عبد اللّه لزيد، وقال: يا ابن السّنديّة. فضحك زيد، وقال: قد كان إسماعيل ابن أمة، ومع ذلك فقد صبرت أمّي بعد وفاة سيّدها، ولم يصبر غيرها - يعني فاطمة بنت الحسين أم عبد اللّه - فإنّها تزوّجت بعد أبيه الحسن بن الحسن. ثم إنّ زيدا ندم، واستحيى من فاطمة فإنّها عمّته، ولم يدخل إليها زمانا. فأرسلت إليه: يا ابن أخي، إنّي لأعلم أنّ أمّك عندك، كأمّ عبد اللّه عنده. وقالت لعبد اللّه: بئس ما قلت لأمّ زيد، أما واللّه لنعم دخيلة القوم كانت.

وذكر أنّ خالدا قال لهما: اغدوا علينا غدا فلست ابن عبد الملك إن لم أفصل بينكما. فباتت المدينة تغلي كالمرجل: يقول قائل قال زيد كذا، ويقول قائل قال عبد اللّه كذا. فلمّا كان من الغد، جلس خالد في المسجد، واجتمع الناس، فمن بين شامت ومهموم. فدعا بهما خالد وهو يحبّ أن يتشاتما. فذهب عبد اللّه يتكلّم، فقال زيد: لا تعجل يا أبا محمد، أعتق زيد كلّ ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبدا. ثم أقبل إلى خالد، فقال له: لقد جمعت ذرّيّة رسول اللّه، ، لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر. فقال خالد: أما لهذا السّفيه أحد؟ فتكلّم رجل من الأنصار من آل/ عمرو بن حزم، فقال: يا ابن أبي تراب وابن حسين السّفيه، أما ترى لوال عليك حقّا ولا طاعة؟! فقال زيد: اسكت أيها القحطاني، فإنّا لا نجيب مثلك. قال: ولم ترغب عنّي؟ فو اللّه إنّي لخير منك وخير من أبيك، وأمّي خير من أمّك. فتضاحك زيد، وقال:

يا معشر قريش، هذا الدّين قد ذهب، أفتذهب الأحساب؟ فو اللّه ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم. فقام عبد اللّه بن واقد بن عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب، فقال: كذبت واللّه أيّها القحطاني، فو اللّه لهو خير منك نفسا وأبا وأمّا ومحتدا. وتناوله بكلام كثير، وأخذ كفّا من حصباء وضرب بها الأرض، وقال: واللّه إنّه ما لنا على هذا من صبر، وقام.

ثم شخص زيد إلى هشام بن عبد الملك، فجعل هشام لا يأذن له، وهو يرفع إليه القصص.

فكلّما يرفع قصّة، يكتب هشام في أسفلها «ارجع إلى منزلك»، فيقول زيد: واللّه لا أرجع إلى خالد أبدا. ثم إنّه أذن له يوما بعد طول حبس، فصعد زيد - وكان بادنا - فوقف في بعض الدّرج وهو يقول: واللّه لا يحبّ الدّنيا أحد إلاّ ذلّ. ثم صعد - وقد جمع له هشام أهل الشّام - فسلّم، ثم جلس. ورمى عليه هشام طويلة، فحلف لهشام على شيء، فقال هشام: لا أصدّقك. فقال: