ففارقوه ونكثوا بيعته، وقالوا: قد سبق الإمام - يعنون محمّدا الباقر، وكان قد مات - وقالوا:
جعفر ابنه إمامنا اليوم بعد أبيه. فسمّاهم زيد «الرّافضة»، وهم يزعمون أنّ المغيرة سمّاهم الرّافضة حين فارقوه.
وكانت طائفة قد أتت جعفر بن محمد الصّادق قبل قيام زيد، وأخبروه ببيعته، فقال: بايعوه لهو واللّه أفضلنا وسيّدنا. فعادوا وكتموا ذلك.
وكان زيد قد واعد أصحابه أوّل ليلة من صفر. فبلغ ذلك يوسف بن عمر، فبعث إلى الحكم عامله على الكوفة يأمره بأن يجمع الناس بالمسجد الأعظم يحصرهم فيه، فجمعهم وطلبوا زيدا، فخرج ليلا من دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، وكان بها، ورفعوا النيران، ونادوا: يا منصور، حتى طلع الفجر. فلمّا أصبحوا نادى أصحاب زيد بشعارهم وثاروا، فأغلق الحكم دروب السّوق وأبواب المسجد على الناس، وبعث إلى يوسف بن عمر وهو بالحيرة، فأخبره الخبر، فأرسل إليه خمسين فارسا ليعرفوا الخبر، فساروا حتى عرفوا الخبر، وعادوا إليه.
فسارت الحيرة بأشراف الناس، وبعث ألفين من الفرسان وثلاث مائة رجّالة معهم النشّاب.
وأصبح زيد، فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلا، فقال: سبحان اللّه! أين الناس؟ فقيل: إنّهم في المسجد الأعظم محصورون، فقال: واللّه ما هذا بعذر لمن بايعنا.
وأقبل فلقيه على جبّانة الصّايديين خمس مائة من أهل الشّام، فحمل عليهم فيمن معه حتى هزمهم، وانتهى إلى دار أنس بن عمر الأزدي - وكان فيمن بايعه وهو في الدّار - فنودي فلم يجب، فناداه زيد فلم يخرج إليه، فقال زيد: ما أخلفكم؟ قد فعلتموها، اللّه حسيبكم. (a) ثم سار إلى الكناسة فحمل على من بها من أهل الشّام فهزمهم (a) ثم سار ويوسف بن عمر ينظر إليه، وهو في مائتي رجل، فلو قصده زيد لقتله. والرّيان يتبع آثار زيد بالكوفة في أهل الشّام، فأخذ زيد في المسير، حتى دخل الكوفة، فسار بعض أصحابه إلى الجبّانة، وواقعوا أهل/ الشّام، فأسر أهل الشّام منهم رجلا، ومضوا به إلى يوسف بن عمر فقتله. فلمّا رأى زيد خذلان الناس إيّاه، قال: قد فعلوها حسينيّة (b)، وسار، وهو يهزم من لقيه، حتى انتهى إلى باب المسجد، فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الباب، ويقولون: يا أهل المسجد اخرجوا من الذّلّ إلى العزّ،