اخرجوا إلى الدّين والدّنيا، فإنّكم لستم في دين ولا دنيا. وزيد يقول: واللّه ما خرجت، ولا قمت مقامي هذا، حتى قرأت القرآن، وأتقنت الفرائض، وأحكمت السّنن والآداب، وعرفت التأويل كما عرفت التّنزيل، وفهمت الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاصّ والعامّ، وما تحتاج إليه الأمّة في دينها ممّا لا بدّ لها منه ولا غنى لها عنه، وإنّي لعلى بيّنة من ربّي.
فرماهم أهل المسجد بالحجارة من فوق المسجد، فانصرف زيد فيمن معه، وخرج إليه ناس من أهل الكوفة، فنزل دار الرّزق، فأتاه الرّيّان وقاتله، وخرج أهل الشّام مساء يوم الأربعاء أسوأ شيء ظنّا.
فلمّا كان من الغد، أرسل يوسف بن عمر عدّة عليهم العبّاس بن سعد المزني، فلقيهم زيد، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم أصحاب العبّاس، وقتل منهم نحو من سبعين. فلمّا كان العشي، عبّأ يوسف بن عمر الجيوش وسرّحهم، فالتقاهم زيد بمن معه، وحمل عليهم حتى هزمهم وهو يتبعهم. فبعث يوسف طائفة من الناشبة (a)، فرموا أصحاب زيد، وهو يقاتل حتى دخل الليل، فرمي بسهم في جبهته اليسرى ثبت في دماغه. فرجع أصحابه، ولا يظنّ أهل الشّام أنّهم رجعوا للمساء والليل، فأنزلوا زيدا في دار، وأتوه بطبيب فانتزع النصل، فضجّ زيد ومات ﵀، لليلتين خلتا من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة، وعمره اثنتان وأربعون سنة.
ولمّا مات اختلف أصحابه في أمره، فقال بعضهم: نطرحه في الماء، وقال بعضهم: بل نحزّ رأسه ونلقيه في القتلى، فقال ابنه يحيى بن زيد: واللّه لا يأكل لحم أبي الكلاب، وقال بعضهم:
ندفنه في الحفرة التي يؤخذ منها الطين ونجعل عليه الماء، ففعلوا ذلك وأجروا عليه الماء. وكان معه مولى سندي فدلّ عليه، وقيل رآهم قصّار فدلّ عليه.
وتفرّق الناس من أصحاب زيد، وسار ابنه يحيى نحو كربلاء، وتتبّع يوسف بن عمر الجرحى في الدّور حتى دلّ على زيد في يوم جمعة، فأخرجه، وقطع رأسه وبعث به إلى هشام بن عبد الملك، فدفع لمن وصل به عشرة آلاف درهم، ونصبه على باب دمشق، ثم أرسله إلى المدينة، وسار منها إلى مصر.
وأمّا جسده فإنّ يوسف بن عمر صلبه بالكناسة، ومعه ثلاثة ممّن كانوا معه، وأقام الحرس عليه. فمكث زيد مصلوبا أكثر من سنتين حتى مات هشام، وولي الوليد من بعده، وبعث إلى