يسيّر الفرّاش وهو جيد له. وكان قبل ذلك اتّفق أنّ الأمير أبا بكر خرج من خدمة السّلطان إلى بيته، فإذا الأمير آقبغا قد بطح مملوكا وضربه، فوقف أبو بكر بنفسه، وسأل آقبغا في العفو عن المملوك، وشفع فيه، فلم يلتفت آقبغا إليه، ولا نظر إلى وجهه، فخجل أبو بكر من الناس - لكونه وقف قائما بين يدي آقبغا وشفع عنده، فلم يقم من مجلسه لوقوفه، بل استمرّ قاعدا وأبو بكر واقف على رجليه، ولا قبل مع ذلك شفاعته - ومضى وفي نفسه منه حنق كبير.
فلمّا عاد إليه مملوكه، وبلّغه كلام آقبغا بسبب هذا الفرّاش، أكّد ذلك عنده ما كان من الإحنة، وأخذ في نفسه إلى أن مات أبوه الملك الناصر، وعهد إليه من بعده، وكان قد التزم أنّه إن ملّكه اللّه ليصادرنّ آقبغا. وليضربنّه بالمقارع، وقال للفرّاش: اقعد في بيتي، وإذا حضر أحد لأخذك عرفت ما أعمل معه. وأخذ آقبغا يترقّب الفرّاش، وأقام أناسا للقبض عليه، فلم يتهيّأ له مسكه.
فلمّا أفضى الأمر إلى أبي بكر، استدعى الأمير قوصون - وكان هو القائم حينئذ بتدبير أمور الدّولة - وعرّفه ما التزمه من القبض على آقبغا، وأخذ ماله وضربه بالمقارع، وذكر له ولعدّة من الأمراء ما جرى له منه. وكان لقوصون بآقبغا عناية، فقال للسّلطان: السّمع والطاعة، يرسم السّلطان بالقبض عليه ومطالبته بالمال، فإذا فرغ ماله يفعل السّلطان ما يختاره.
وأراد بذلك تطاول المدّة في أمر آقبغا. فقبض عليه، ووكّل به رسل ابن صابر، حتى إنّه بات ليلة قبض عليه من غير أن يأكل شيئا. وفي صبيحة تلك الليلة تحدّث الأمراء مع السّلطان في نزوله إلى داره محتفظا به، حتى يتصرّف في ماله، ويحمله شيئا بعد شيء. فنزل مع المجدي، وباع ما يملكه، وأورد المال.
فلمّا قبض على الحاج إبراهيم بن صابر، وأقيم ابن شمس موضعه، أرسله السّلطان إلى بيت آقبغا ليعصره ويضربه بالمقارع ويعذّبه. فبلغ ذلك الأمير قوصون، فمنع منه، وشنّع على السّلطان كونه أمر بضربه بالمقارع، وأمر بمراجعته. فحنق من ذلك، وأطلق لسانه على الأمير قوصون، فلم يزل به من حضره من الأمراء حتى سكت على مضض.
وكان قوصون يدبّر في انتقاض دولة أبي بكر إلى أن خلعه، وأقام بعده أخاه الملك الأشرف كجك بن محمد بن قلاوون، وعمره نحو السبع سنين، وتحكّم في الدّولة. فأخرج آقبغا هو وولده من القاهرة، وجعله من جملة أمراء الدّولة بالشّام. فسار من القاهرة في تاسع ربيع الأوّل سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة، على حيّز الأمير مسعود بن خطير بدمشق، ومعه عياله فأقام بها،