عمله أستادّار السّلطان بعد الأمير مغلطاي الجمالي، في المحرّم سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة، وولاّه مقدّم المماليك فقويت حرمته وعظمت مهابته، حتى صار سائر من في بيت السّلطان يخافه ويخشاه.
وما برح على ذلك إلى أن مات الملك الناصر، وقام من بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر، فقبض عليه في يوم الاثنين سلخ المحرّم سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة، وأمسك أيضا ولديه (١)، وأحيط بماله وسائر أملاكه، ورسم عليه الأمير طيبغا المجدي، وبيع موجوده من الخيل والجمال والجواري والقماش والأسلحة والأواني، فظهر له شيء عظيم إلى الغاية: من ذلك أنّه أبيع بقلعة الجبل - وبها كانت تعمل حلقات مبيعه - سراويل امرأته بمبلغ مائتي ألف درهم فضّة: عنها نحو عشرة آلاف دينار ذهب، وبيع له أيضا قبقاب وسارموذة (٢) وخفّ نسائي بمبلغ خمسة وسبعين ألف درهم فضّة: عنها زيادة على ثلاثة آلاف دينار، وأبيعت بدلة مقانع بمائة ألف درهم.
وكثرت المرافعات عليه من التّجّار وغيرهم، فبعث السّلطان إليه شادّ الدّواوين يعرّفه أنّه أقسم بتربة الشّهيد - يعني أباه - أنّه متى لم يعط هؤلاء حقّهم، وإلاّ سمّرتك على جمل ودفت بك المدينة، فشرع آقبغا في استرضائهم وأعطاهم نحو المائتي ألف درهم فضّة. ثم نزل إليه الوزير نجم الدّين محمود بن شروين (a) - المعروف بوزير بغداد - ومعه الحاج إبراهيم بن صابر مقدّم الدّولة، لمطالبته بالمال، فأخذا منه لؤلؤا وجواهر/ نفيسة، وصعدا بها إلى السّلطان.
وكان سبب هذه النكبة أنّه كان قد تحكّم في سائر (b) أمور الدّولة السّلطانية وأرباب الأشغال، أعلاهم وأدناهم، ممّا اجتمع له من الوظائف، وكان عنده فرّاش غضب عليه وأوجعه ضربا، فانصرف من عنده، وخدم في دار الأمير أبي بكر ولد السّلطان، فبعث آقبغا يستدعي بالفرّاش إليه، فمنعه عنه أبو بكر، وأرسل إليه مع أحد مماليكه يقول له: إنّي أريد أن تهبني هذا الغلام، ولا تشوّش عليه، فلمّا بلّغه المملوك الرّسالة، اشتدّ حنقه وسبّه سبّا فاحشا، وقال له: قل لأستاذك
(a) بولاق: سرور. (b) ساقطة من بولاق. - الكامنة ٤١٨: ١ - ٤١٩؛ المقريزي: المقفى الكبير ٢٥٩: ٢ - ٢٦١؛ أبو المحاسن: المنهل الصافي ٤٨٠: ٢ - ٤٨٢. (١) ناصر الدين محمد وشهاب الدين أحمد (أعيان العصر ٥٤٨: ١). (٢) سارموذه، شارموذة. نوع من النعال التي تخلع عند دخول المنزل. (Mayer L.A.، op.cit.، ٧٢، ٧٤، وفيما تقدم ٢٩٢: ٢).