للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أن كانت فتنة الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون، وعصيانه بالكرك على أخيه.

الملك الصّالح عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن قلاوون، فاتّهم آقبغا بأنّه بعث مملوكا من مماليكه إلى الكرك، وأنّ الناصر أحمد خلع عليه، وضربت البشائر بقلعة الكرك، وأشاع أنّ أمراء الشّام قد دخلوا في طاعته وحلفوا له، وأن آقبغا قد بعث إليه من مملوكه يبشّره بذلك.

فلمّا وصل إلى الملك الصّالح كتاب عسّاف أخي شطا بذلك، وصل في وقت وروده كتاب نائب الشّام الأمير طقزدمر، يخبر فيه بأنّ جماعة من أمراء الشّام قد كاتبوا أحمد بالكرك وكاتبهم، وقد قبض عليهم، ومن جملتهم آقبغا عبد الواحد. فرسم بحمله مقيّدا، فحمل من دمشق إلى الإسكندرية، وقتل بها في آخر سنة أربع وأربعين وسبع مائة.

وكان من الظّلم والطمع والتّعاظم على جانب كبير، وجمع من الأموال شيئا كثيرا وأقام جماعة من أهل الشّرّ لتتبّع أولاد الأمراء، وتعرّف أحوال من افتقر منهم أو احتاج إلى شيء، فلا يزالون به حتى يعطوه مالا على سبيل القرض بفائدة جزيلة إلى أجل، فإذا استحقّ المال أعسفه في الطلب، وألجأه إلى بيع ما له من الأملاك، وحلّها إن كانت وقفا بعنايته به، وعيّن لعمل هذه الحيل شخصا يعرف بابن القاهريّ، وكان إذا دخل لأحد من القضاة في شراء ملك أو حلّ وقف، لا يقدر على مخالفته، ولا يجد بدّا من موافقته.

ومن غريب ما يحكى عن طمع آقبغا أنّ مشدّ الحاشية دخل عليه، وفي أصبعه خاتم بفصّ أحمر من زجاج له بريق، فقال له آقبغا: إيش هو هذا الخاتم؟ فأخذ يعظّمه، ويذكر (a) أنّه من تركة أبيه. فقال: بكم حسبوه عليك؟ فقال: بمبلغ (b) أربع مائة درهم. فقال: أرنيه. فناوله إيّاه، فأخذه وتشاغل عنه ساعة، ثم قال له: واللّه فضيحة أن نأخذ خاتمك، ولكن خذه أنت وهات (c) الأربع مائة درهم (c) ثمنه! ودفعه إليه، وألزمه بإحضار الأربع مائة درهم فما وسعه إلاّ أن/ أحضرها إليه. فعاقبه اللّه بذهاب ماله وغيره، وموته غريبا.


(a) بولاق: ذكر.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) (c-c) ساقطة من بولاق.