للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأويل شرائع الإسلام وصرفها عن ظواهرها إلى أمور زعموها من عند أنفسهم، وتأويل آيات القرآن ودعواهم فيها تأويلا بعيدا، انتحلوا القول به بدعا ابتدعوها بأهوائهم، فضلّوا وأضلّوا عالما كثيرا.

هذا وقد كان المأمون عبد اللّه بن هارون الرّشيد، سابع خلفاء بني العبّاس ببغداد، لمّا شغف بالعلوم القديمة، بعث إلى بلاد الرّوم من عرّب له كتب الفلاسفة، وأتاه بها في أعوام بضع عشرة ومائتين من سني الهجرة (١)، فانتشرت مذاهب الفلاسفة في النّاس، واشتهرت كتبهم بعامّة الأمصار، وأقبلت المعتزلة والقرامطة والجهميّة وغيرهم عليها، وأكثروا من النّظر فيها والتّصفّح لها. فانجرّ على الإسلام وأهله من علوم الفلاسفة ما لا يوصف من البلاء والمحنة في الدّين، وعظم بالفلسفة ضلال أهل البدع، وزادتهم كفرا إلى كفرهم.

فلمّا قامت «دولة بني بويه» ببغداد في سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة، واستمرّوا إلى/ سنة سبع وثلاثين وأربع مائة، وأظهروا «مذهب التّشيّع» قويت بهم الشّيعة، وكتبوا على أبواب المساجد في سنة إحدى وخمسين وثلاث مائة «لعن اللّه معاوية بن أبي سفيان، ولعن من أغضب فاطمة، ومن منع الحسن أن يدفن عند جدّه، ومن نفى أبا ذرّ الغفاري، ومن أخرج العبّاس من الشّورى». فلمّا كان اللّيل حكّه بعض النّاس، فأشار الوزير المهلّبي أن يكتب بإذن معزّ الدّولة «لعن اللّه الظّالمين لأهل البيت» ولا يذكر أحد في اللّعن غير معاوية، ففعل ذلك. وكثرت ببغداد الفتن بين الشّيعة والسّنّة، وجهر الشّيعة في الأذان ب «حيّ على خير العمل» في الكرخ. وفشا مذهب الاعتزال بالعراق وخراسان وما وراء النّهر، وذهب إليه جماعة من مشاهير الفقهاء (٢).


= وإمامة أسلافه الزّعماء المركزيين الذين نظّموا وقادوا الحركة الإسماعيلية بدلا من إعلان مهدية محمد بن إسماعيل التي كانت الدّعوة تمهّد لها. (راجع، Madelung، W.، El ٢ art.Karmati IV، pp. ٦٨٧ - ٩٢; id.، «The Fatimde and the Qarmatis of Bahrayn»، in Daftary، F.
(ed.)، Mediaeval Islamie History and Though، Cambridge ١٩٩٦، pp. ٢١ - ٧٣; Daftary، F.، «A Major Schisme in the Early Isma c ili Movement»، SI ٧٧ (١٩٩٩)، pp. ١٢٣ - ٣٩؛ سهيل زكار: أخبار القرامطة، دمشق - دار حسان ١٩٨٢).
(١) راجع حول هذا الموضوع، ابن النديم: الفهرست ٣٠٣، ٣٠٤، ٤١٩؛ ابن جلجل: طبقات الأطباء والحكماء، تحقيق فؤاد سيد، القاهرة - المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية ١٩٥٥، ٦٥؛ رشيد الجميلي: حركة الترجمة والنّقل في المشرق الإسلامي في القرنين الأوّل والثاني للهجرة، جامعة قاريونس د. ت.
(٢) تمثّل الدّولة البويهيّة - التي امتدّ نفوذها على الهضبة الإيرانية ثم على العراق في الفترة بين السيطرة العربية في صدر الإسلام والدولة الأموية ثم الوجود التركي السّلجوقي في منتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي - مرحلة الوجود الفارسي. وهي دولة ذات أصول ديلمية -