للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوي مع ذلك أمر الخلفاء الفاطميين بإفريقيّة وبلاد المغرب، وجهروا ب «مذهب الإسماعيلية»، وبثّوا دعاتهم بأرض مصر، فاستجاب لهم خلق كثير من أهلها، ثم ملكوها سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة، وبعثوا بعساكرهم إلى الشّام. فانتشرت «مذاهب الرّافضة» في عامّة بلاد المغرب ومصر والشّام وديار بكر والكوفة والبصرة وبغداد وجميع العراق وبلاد خراسان وما وراء النّهر، مع بلاد الحجاز واليمن والبحرين، وكانت بينهم وبين أهل السّنّة من الفتن والحروب والمقاتل ما لا يمكن حصره لكثرته (١).

واشتهرت مذاهب الفرق من القدريّة والجهميّة والمعتزلة والكرّاميّة والخوارج والرّوافض والقرامطة والباطنيّة حتى ملأت الأرض. وما منهم إلاّ من نظر في الفلسفة، وسلك من طرقها ما وقع عليه اختياره، فلم يبق مصر من الأمصار، ولا قطر من الأقطار، إلاّ وفيه طوائف كثيرة ممّن ذكرنا.

وكان أبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري قد أخذ عن أبي عليّ محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي، ولازمه عدّة أعوام. ثم بدا له فترك مذهب الاعتزال، وسلك طريق أبي محمد عبد اللّه بن محمد بن سعيد بن كلاّب (٢)، ونسج على قوانينه في الصّفات والقدر، وقال بالفاعل المختار، وترك القول بالتّحسين والتّقبيح العقليين، وما قيل في مسائل الصّلاح والأصلح، وأثبت أنّ العقل لا يوجب المعارف قبل الشّرع، وأنّ العلوم وإن حصلت بالعقل فلا تجب به ولا يجب البحث عنها إلاّ بالسّمع، وأنّ اللّه تعالى لا يجب عليه شيء، وأن النّبوّات من الجائزات العقلية والواجبات السّمعية، إلى غير ذلك من مسائله التي هي موضوع أصول الدّين (٣).


= شيعية المذهب فرضت سيطرتها على مركز الخلافة العباسية في بغداد في الفترة بين سنتي ٣٣٤ هـ/ ٩٤٥ م - ٤٤٧ هـ/ ١٠٥٥ م. (راجع، Mufizullah Kabir، The Buwayhid Dynasty of Bagdad، Calcutta ١٩٦٤; Busse، H.، Chalif und Grosskenig.Die Buyiden in Iraq (٩٤٥ - ١٠٥٥)، Beirut ١٩٦٩; Cahen، Cl.، El ٢. (art.Buwayhides ou Buyides I، pp. ١٣٩٠ - ٩٧
(١) انظر فيما تقدم ١٧٦: ٢ - ٢٠٦.
(٢) حاشية بخطّ المؤلّف: «عبد اللّه بن محمد بن سعيد ابن كلاّب، من قوله: كلام اللّه هو اللّه، فلذلك كان أبو سهل عباد بن سليمان بن علي البصري المعتزلي أحد أصحاب هشام ابن عمرو الفوطي يقول إنّه نصراني بهذا القول ويتّهمه أنّه أخذ هذا من بعض النّصارى. ومن تصانيفه كتاب «الصّفات» وكتاب «خلق الأفعال» وكتاب «الرّدّ على المعتزلة»، وهم يعدونه من نابتة الحشوبة. وتوفي في حدود الأربعين ومائتين».
(٣) المذهب الأشعري، نسبة إلى الإمام أبي الحسن الأشعري (ويقال لأصحابه الأشاعرة والأشعريّة)، يمثّل مذهبا وسطا بين موقف المعتزلة العقلي المتطرّف وموقف أهل السّلف من المحدّثين. ورأى الأشعري الأخذ بقول أصحاب الحديث وأهل السّنّة، ويعدّ الأشعري بهذا المذهب، هو ومعاصره -