وأنّ اللّه تعالى لا يخلق الشّرّ، وجهروا بأنّ اللّه لا يرى في الآخرة، وأنكروا عذاب القبر على البدن، وأعلنوا بأنّ القرآن مخلوق محدث، إلى غير ذلك من مسائلهم (١). فتبعهم خلائق في بدعهم، وأكثروا من التّصنيف في نصرة مذهبهم بالطّرق الجدليّة. فنهى أئمّة الإسلام عن مذهبهم، وذمّوا علم الكلام، وهجروا من ينتحله. ولم يزل أمر المعتزلة يقوى، وأتباعهم تكثر، ومذهبهم ينتشر في الأرض.
ثم حدث «مذهب التّجسيم» المضاد لمذهب الاعتزال. وظهر محمّد بن كرّام بن عرّاف ابن خراية أبو عبد اللّه السّجستاني، زعيم الطّائفة الكرّامية، بعد المائتين من سني الهجرة، وأثبت الصّفات حتى انتهى فيها إلى التّجسيم والتّشبيه، وحجّ وقدم الشّام، ومات بزغو في صفر سنة ستّ وخمسين ومائتين، فدفن بالقدس. وكان هناك من أصحابه زيادة على عشرين ألفا على التّعبّد والتّقشّف، سوى من كان منهم ببلاد المشرق وهم لا يحصون لكثرتهم، وكان إماما لطائفتي الشّافعية والحنفيّة. وكانت بين الكرّامية بالمشرق وبين المعتزلة مناظرات، ومناكرات، وفتن كثيرة متعدّدة أزماتها. (٢)
هذا وأمر الشّيعة يفشو في النّاس، حتى حدث «مذهب القرامطة» المنسوبين إلى حمدان الأشعث، المعروف بقرمط من أجل قصر قامته وقصر رجليه وتقارب خطوه. وكان ابتداء أمر قرمط هذا في سنة أربع وستين ومائتين، وكان ظهوره بسواد الكوفة، فاشتهر مذهبه بالعراق.
وقام من القرامطة ببلاد الشّام صاحب الحال والمدّثّر والمطوّق. وقام بالبحرين منهم أبو سعيد الجنابي من أهل جنابة، وعظمت دولته ودولة بنيه من بعده، حتى أوقعوا بعساكر بغداد، وأخافوا خلفاء بني العبّاس، وفرضوا الأموال التي تحمل إليهم في كلّ سنة على أهل بغداد وخراسان والشّام ومصر واليمن، وغزوا بغداد والشّام ومصر والحجاز، وانتشرت دعاتهم بأقطار الأرض (٣).
فدخل جماعات من النّاس في دعوتهم، ومالوا إلى قولهم الذي سمّوه «علم الباطن». وهو
(١) وهو موضوع كتاب «المغني في أبواب التّوحيد والعدل» لقاضي القضاة عبد الجبّار بن أحمد الهمداني أحد رؤساء المعتزلة، المتوفى سنة ٤١٥ هـ/ ١٠٢٤ م. ويقع هذا الكتاب في عشرين مجلّدا كشف والدي ﵀ أثناء زيارته لليمن سنة ١٩٥١ - ١٩٥٢ عن نسخة منه تنقص المجلّدات ١، ٢، ٣، ١٧، ١٨، ١٩. وقد طبع هذا الكتاب في القاهرة في سلسلة تراثنا بين سنتي ١٩٦٠ - ١٩٦٦. (٢) انظر عن الكرّامية، فيما تقدم ٤١٢. (٣) القرامطة في الأصل من دعاة الإسماعيليين ثم انفصلوا عنهم بعد أن لاحظ حمدان قرمط في سنة ٢٨٦ هـ/ ٨٩٩ م بعض التّغييرات في التّعليمات المكتوبة التي كانت تصل إليه من رئاسة الدّعوة في سلميّة، حيث كانت تعكس تحوّلات هامّة فيما يتعلّق باعتقاد الإمامة، حيث أخذ عبد اللّه ابن الحسين (الإمام المهدي فيما بعد) في الدّعوة لنفسه -