للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجيء في السّحاب، وأنّ الرّعد صوته والبرق سوطه، وأنّه لا بدّ أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلا كما ملئت جورا.

ومن ابن سبأ هذا تشعّبت أصناف الغلاة من الرّافضة، وصاروا يقولون بالوقف - يعنون أنّ الإمامة موقوفة على أناس معيّنين -: كقول «الإماميّة» بأنّها في الأئمّة الاثني عشر، وقول «الإسماعيلية» بأنّها في ولد إسماعيل بن جعفر الصّادق. وعنه أيضا أخذوا القول بغيبة الإمام، والقول برجعته بعد الموت إلى الدّنيا، كما تعتقده الإمامية إلى اليوم في صاحب السّرداب، وهو القول بتناسخ الأرواح. وعنه أخذوا أيضا القول بأنّ الجزء الإلهي يحلّ في الأئمّة بعد عليّ بن أبي طالب، وأنّهم بذلك استحقّوا الإمامة بطريق الوجوب، كما استحقّ آدم سجود الملائكة، وعلى هذا الرّأي كان اعتقاد دعاة الخلفاء الفاطميين ببلاد مصر.

وابن سبأ هذا هو الذي أثار فتنة أمير المؤمنين عثمان بن عفّان حتى قتل - كما ذكر في ترجمة ابن سبأ من كتاب «التّاريخ الكبير المقفّى» (١) - وكان له عدّة أتباع في عامّة الأمصار، وأصحاب كثيرون في معظم الأقطار. فكثرت لذلك الشّيعة، وصاروا ضدّ للخوارج، وما زال أمرهم يقوى وعددهم يكثر.

ثم حدث بعد عصر الصّحابة «مذهب جهم بن صفوان» ببلاد المشرق (٢)، فعظمت الفتنة به. فإنّه نفى أن يكون للّه تعالى صفة، وأورد على أهل الإسلام شكوكا أثّرت في الملّة الإسلامية آثارا قبيحة تولّد عنها بلاء كبير. وكان قبيل المائة من سني الهجرة، فكثر أتباعه على أقواله التي تؤوّل إلى التّعطيل. فأكبر أهل الإسلام بدعته، وتمالئوا على إنكارها وتضليل أهلها، وحذّروا من الجهميّة وعادوهم في اللّه، وذمّوا من جلس إليهم، وكتبوا في الرّدّ عليهم ما هو معروف عند أهله.

وفي أثناء ذلك حدث «مذهب الاعتزال»، منذ زمن الحسن بن أبي الحسن البصري بعد المائتين من سني الهجرة، وصنّفوا فيه مسائل في العدل والتّوحيد، وإثبات أفعال العباد،


(١) لم أقف على ترجمة عبد اللّه بن سبأ في العبادلة فيما وصل إلينا من كتاب «المقفى الكبير»؛ فواضح من ترتيب نسخة باريس - التي تشتمل على تراجم العبادلة - اختلاط كرّاساتها وسقوط بعضها الآخر، خاصّة بين عبد اللّه بن زرير الغافقي وعبد اللّه بن عبد الحليم.
(٢) حاشية بخط المؤلّف: «جهم بن صفوان مولى راسب، كان بخراسان فلمّا قام مروان بن محمد الحمار بالأمر واختلف الحارث بن سريج ونصر بن سبأ، صار جهم مع الحارث فلمّا اقتتلا أسر جهم وقتل في رجب سنة ثمان وعشرين ومائة». وانظر فيما تقدم ٤١٨.