ولم يكن عند أحد منهم ما يستدلّ به على وحدانية اللّه تعالى، وعلى إثبات نبوّة محمد ﷺ، سوى كتاب اللّه، ولا عرف أحد منهم شيئا من الطّرق الكلامية ولا مسائل الفلسفة.
فمضى عصر الصّحابة ﵃ على هذا، إلى أن حدث في زمنهم القول بالقدر، وأنّ الأمر أنف: أي أنّ اللّه تعالى لم يقدّر على خلقه شيئا ممّا هم عليه.
وكان أوّل من قال بالقدر في الإسلام معبد بن خالد الجهني، وكان يجالس الحسن بن أبي الحسن البصري، فتكلّم في القدر بالبصرة، وسلك أهل البصرة مسلكه لمّا رأوا عمرو بن عبيد ينتحله. وأخذ معبد هذا الرأي عن رجل من الأساورة يقال له أبو يونس سنسويه، ويعرف بالأسواري. فلمّا عظمت الفتنة به، عذّبه الحجّاج وصلبه بأمر عبد الملك بن مروان سنة ثمانين.
ولمّا بلغ عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب ﵄ مقالة معبد في القدر تبرّأ من القدريّة.
واقتدى بمعبد في بدعته هذه جماعة، وأخذ السّلف ﵏ في ذمّ القدريّة، وحذّروا منهم كما هو معروف في كتب الحديث. وكان عطاء بن يسار قاضيا يرى القدر، وكان يأتي هو ومعبد الجهني إلى الحسن البصري، فيقولان له: إنّ هؤلاء يسفكون الدّماء، ويقولون: إنّما تجري أعمالنا على قدر اللّه. فقال: كذب أعداء اللّه فطعن عليه بهذا ومثله.
وحدث أيضا في زمن الصّحابة ﵃«مذهب الخوارج»، وصرّحوا بالتّكفير بالذّنب، والخروج على الإمام وقتاله. فناظرهم عبد اللّه بن عبّاس ﵄ فلم يرجعوا إلى الحقّ، وقاتلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ﵁ وقتل منهم جماعة كما هو معروف في كتب الأخبار.
ودخل في دعوة الخوارج خلق كثير، ورمي جماعة من أئمّة الإسلام بأنّهم يذهبون إلى مذهبهم، وعدّ منهم غير واحد من رواة الحديث كما هو معروف عند أهله.
وحدث أيضا في زمن الصّحابة ﵃«مذهب التّشيّع لعلي بن أبي طالب»﵁ والغلوّ فيه. فلمّا بلغه ذلك أنكره، وحرق بالنّار جماعة ممّن غلا فيه، وأنشد:
[الرجز]
لمّا رأيت الأمر أمرا منكرا … أجّجت ناري ودعوت قنبرا
وقام في زمنه ﵁ عبد اللّه بن وهب بن سبأ - المعروف بابن السّوداء السّبئي - وأحدث القول بوصيّة رسول اللّه ﷺ لعليّ بالإمامة من بعده، فهو وصيّ رسول اللّه ﷺ، وخليفته على أمّته من بعده بالنّصّ. وأحدث القول برجعة عليّ بعد موته إلى الدّنيا، وبرجعة رسول اللّه ﷺ أيضا./ وزعم أن عليّا لم يقتل، وأنّه حيّ، وأنّ فيه الجزء الإلهي، وأنّه هو الذي