فالنّيل ذو فضل ولكنّه … الشّكر في ذلك للملثن (a) (١)
ويبتدئ النّيل بالتنفّس والزيادة بقيّة بئونة - وهو حزيران - وأبيب - وهو تموز - ومسرى - وهو آب - فإذا كان الماء زائدا زاد شهر توت كلّه - وهو أيلول - إلى انقضائه، فإذا انتهت الزيادة إلى الذّراع الثامن عشر ففيه تمام الخراج، وخصب الأرض، وهو ضارّ بالبهائم لعدم الرّعي والكلأ.
وأتمّ الزّيادات كلّها، العامّة النّفع (b) للبلد كلّه سبعة عشر ذراعا، وفي ذلك كفايتها وريّ جميع أرضها. وإذا زاد على ذلك وبلغ ثمانية عشر ذراعا وغلّقها، استبحر من أرض مصر الرّبع، وفي ذلك ضرر لبعض الضّياع لما ذكرنا من الاستبحار. وإذا كانت الزيادة على ثمانية عشر ذراعا، كانت العاقبة في انصرافه حدوث وباء. وأكثر الزيادات ثمان عشرة ذراعا.
وقد بلغ في خلافة عمر بن عبد العزيز/ تسع عشرة (c) ذراعا، ومساحة الذّراع إلى أن تبلغ اثنتي عشرة ذراعا ثمان وعشرون أصبعا، ومن اثنتي عشرة ذراعا إلى ما فوق ذلك يكون الذّراع أربعا وعشرين أصبعا. وأقلّ ما يبقى في قاع المقياس من الماء ثلاثة أذرع، وفي تلك السنة يكون الماء قليلا.
والأذرع التي يستسقى عليها بمصر هي ذراعان تسمّيان منكرا ونكيرا، وهي الذّراع الثالث عشر والذراع الرابع عشر؛ فإذا انصرف الماء عن هذين الذّراعين وزيادة نصف ذراع من الخمس عشرة، استسقى الناس بمصر، فكان الضّرر الشّامل لكلّ البلدان؛ وإذا تمّ خمس عشرة ودخل في ستّ عشرة ذراعا كان فيه صلاح لبعض الناس، ولا يستسقى فيه، وكان ذلك نقصا من خراج السّلطان (٢).
والنّبيذ يتّخذ بمصر من ماء طوبة - وهو كانون الثاني - بعد الغطاس، وهو لعشرة تمضي من طوبة، وأصفى ما يكون ماء النّيل في ذلك الوقت. وأهل مصر يفتخرون بصفاء ماء النّيل في هذا الوقت، وفيه يخزّن الماء أهل تنّيس ودمياط وتونة وسائر قرايا (d) البحيرة.
وقد كانت مصر كلّها تروى من ستّ عشرة ذراعا، غامرها وعامرها، لما أحكموا من جسورها، وبناء قناطرها، وتنقية خلجانها. وكان الماء إذا بلغ في زيادته تسع أذرع دخل
(a) بولاق: الملتن. (b) في المروج: النافعة. (c) بولاق: اثنتي عشر. (d) بولاق: قرى. (١) السيوطي: حسن المحاضرة ٣٥١: ٢ ومصدره فيه: التيفاشي. (٢) المسعودي: مروج الذهب ٦٨: ٢ - ٦٩.