وتتناهى وصلة هذه الأم إلى البحر المحيط في نهاية الشّمال قبالة جزيرة برطانية (a)، وتبقى سوسية داخل الجبل. ثم تمدّ هذه الأم بعد انقطاع لطيف، وتنعطف مع انعطاف خرجة البحر المحيط في الغرب بشمال على الصّقلب المسمّاة ببحر الأنقليشين ممتدا إلى غاية المشرق، ويسمّى هناك بجبل قاقونا، ويبقى وراءه بالبحرة الجامدة (b) لشدّة البرد، ثم ينعطف من الشّمال إلى المشرق جنوبا بتغريب إلى كتف السّدّ الشّمالي، فيتلاقى هناك الطّرفان، وبينهما في الفرجة المنفرجة ساوى (c) ذو القرنين بين الصّدفين.
وفي جزيرة القمر ثلاثة أنهار: أحدها في شرقيها من قنطورا ومعلا، وثانيها في غربيها ينصب من جبل قدم آدم على مدينة سبأ، ويأخذ مارّا على مدينة فزدرا، وينجر هناك بحيرة في جنوبها مدينة كيماما (d) حيث محلّ السّودان الذين يأكلون الناس، وثالثها في غربيها أيضا. ويخرج من الجبل المشبّه بباء محذوف (e) الذيل، يطوف بمدينة دهمي، فتبقى مدينة دهمي (f)) بينه وبين البحر الهندي (f) في جزيرة بينهما يكون هو محيطا بها شرقا وجنوبا وغربا، وتصير لذلك كالجزيرة، ويتّصل شمالها بالبحر الهندي، وتقع مدينة فورانة (g) في غربية حيث يصبّ في البحر الهندي.
ومن جبل القمر يخرج نهر النّيل، وقد كان يتبدّد على وجه الأرض. فلمّا قدم نقراوس الجبّار ابن مصرايم الأوّل بن مركائيل بن دوابيل بن غرياب بن آدم ﵇ إلى أرض مصر ومعه عدّة من بني غرياب، واستوطنوها، وبنوا بها مدينة أمسوس وغيرها من المدائن، حفروا النّيل حتى أجروا ماءه إليهم؛ ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري، بل ينبطح ويتفرّق في الأرض، حتى وجّه إلى النّوبة الملك نقراوش [جماعة] (h) فهندسوه، وساقوا منه أنهارا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها، وساقوا منه نهرا إلى مدينة أمسوس (١).
ثم لمّا خربت أرض مصر بالطّوفان كانت أيّام البودسير بن قفط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ﵇ عدّل جانبيّ النّيل تعديلا ثانيا بعد ما أتلفه الطّوفان.
قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه: فملك البودسير وتجبّر، وهو أوّل من تكهّن وعمل بالسّحر واحتجب عن العيون. وقد كانت أعمامه أشمن وأتريب وصا ملوكا على أحيازهم، إلاّ
(a) بولاق: بركانية. (b) بولاق: البحر حامدا. (c) بولاق: سوى. (d) بولاق: كيما. (e) بولاق: ماء محدودب. (f-f)) ساقطة من بولاق. (g) بولاق: قواره. (h) إضافة مما تقدم ١٩: ١. (١) فيما تقدم ٤٧.