للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقول: نعم، فيقول: اقضوا دينه. فأقام المسجد بعد ذلك دهرا عامرا، ولم يزل إلى اليوم.

وذكر أنّ عبد اللّه بن عبد الملك بن مروان - في ولايته على مصر من قبل أخيه الوليد - أمر برفع سقف المسجد الجامع - وكان مطأطأ - وذلك في سنة تسع وثمانين (١).

ثم إنّ قرّة بن شريك العبسي هدمه مستهلّ سنة اثنتين وتسعين بأمر الوليد بن عبد الملك - وهو يومئذ أمير مصر من قبله - وابتدأ في بنيانه في شعبان من السنة المذكورة، وجعل على بنائه يحيى ابن حنظلة مولى بني عامر بن لؤيّ، وكانوا يجمعون الجمعة في قيساريّة العسل حتى فرغ من بنائه، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين، ونصب المنبر الجديد في سنة أربع وتسعين (٢).

ونزع المنبر الذي كان في المسجد. وذكر أنّ عمرو بن العاص كان جعله فيه، فلعلّه بعد وفاة عمر ابن الخطّاب وقيل هو منبر عبد العزيز بن مروان، وذكر أنّه حمل إليه من بعض كنائس مصر. وقيل إنّ زكريا بن برقني (a) - ملك النّوبة - أهداه إلى عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، وبعث معه نجّاره حتى ركّبه، واسم هذا النّجّار بقطر من أهل دندرة. ولم يزل هذا المنبر في المسجد حتى زاد قرّة بن شريك في الجامع، فنصب منبرا سواه، على ما تقدّم شرحه (٣).

ولم يكن يخطب في القرى إلاّ على العصيّ (b)، إلى أن ولي عبد الملك بن موسى بن نصير اللّخمي مصر، من قبل مروان بن محمد، فأمر باتّخاذ المنابر في القرى وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وذكر أنّه لا يعرف منبرا أقدم منه - يعني من منبر قرّة بن شريك - بعد منبر رسول اللّه . فلم يزل كذلك إلى أن قلع وكسر في أيّام العزيز باللّه بنظر الوزير يعقوب بن كلّس، في يوم الخميس لعشر بقين من شهر ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين وثلاث مائة، وجعل مكانه منبر مذهّب. ثم أخرج هذا المنبر إلى الإسكندرية، وجعل في جامع عمرو بها، وأنزل إلى الجامع المنبر الكبير الذي هو به الآن، وذلك في أيّام الحاكم بأمر اللّه في شهر ربيع الأوّل سنة خمس وأربع مائة.

وصرف بنو عبد السّميع عن الخطابة، وجعلت خطابة الجامع العتيق لجعفر بن الحسن ابن خداع الحسيني، وجعل إلى أخيه الخطابة بالجامع الأزهر. وصرف بنو عبد السّميع بن عمر ابن


(a) في صبح الأعشى: مرقيا.
(b) بولاق: العصا.
(١) الكندي: ولاة مصر ٨١؛ ابن دقماق: الانتصار ٦٣: ٤؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٦٩: ١.
(٢) نفسه ٨٦؛ نفسه ٦٣: ٤؛ نفسه ٦٩: ١؛ وابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٣١؛ ابن يونس: تاريخ ابن يونس المصري (تاريخ الغرباء) ١٧٥ - ١٧٦.
(٣) ابن دقماق: الانتصار ٦٣: ٤ - ٦٤؛ أبو المحاسن: -