للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال عابد بن هشام الأزدي - ثم السّلاماني - لمسلمة بن مخلد:

[الوافر]

لقد مدّت لمسلمة اللّيالي … على رغم العداة مع الأمان

وساعده الزّمان بكلّ سعد … وبلّغه البعيد من الأماني

أمسلم فارتقي لا زلت تعلو … على الأيّام مسلم والزّمان

لقد أحكمت مسجدنا فأضحى … كأحسن ما يكون من المباني

فباه به البلاد وساكنوها … كما تاهت بزينتها الغواني

وكم لك من مناقب صالحات … وأجدل بالصّوامع للآذان

كأن تجاوب الأصوات فيها … إذا ما اللّيل ألقى بالجران

كصوت الرّعد خالطه دوىّ … وأرعب كلّ مختطف الجنان

وقيل إنّ معاوية أمره ببناء الصّوامع للأذان (١).

قال: وجعل مسلمة للمسجد الجامع أربع صوامع في أركانه الأربع، وهو أوّل من جعلها فيه، ولم تكن قبل ذلك. قال: وهو أوّل من جعل فيه الحصر، وإنّما كان قبل ذلك مفروشا بالحصباء، وأمر ألاّ يضرب بناقوس عند الأذان - يعني الفجر (٢) - وكان السّلّم الذي يصعد منه المؤذّنون في الطّريق حتى كان خالد بن سعيد فحوّله داخل المسجد.

قال القاضي القضاعي: ثم إنّ عبد العزيز بن مروان هدمه في سنة تسع وسبعين من الهجرة - وهو يومئذ أمير مصر من قبل أخيه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان - وزاد فيه من ناحية الغرب، وأدخل فيه الرّحبة التي كانت في بحريه، ولم يجد في شرقيه موضعا يوسّعه به (٣). وذكر أبو عمر الكنديّ في كتاب «الأمراء» أنّه زاد فيه من جوانبه كلّها (٤).

ويقال: إنّ عبد العزيز بن مروان لما أكمل بناء المسجد، خرج من دار الذّهب عند طلوع الفجر، فدخل المسجد فرأى في أهله خفّة، فأمر بأخذ الأبواب على من فيه، ثم دعا بهم رجلا رجلا، فيقول للرّجل: ألك زوجة؟ فيقول: لا، فيقول: زوّجوه، ألك خادم؟ فيقول: لا، فيقول: اخدموه؛ أحججت؟ فيقول: لا، فيقول: أحجّوه، أعليك دين؟


(١) راجع، فريد شافعي: العمارة العربية في مصر الإسلامية ٦٣٥ - ٦٤٩.
(٢) ابن دقماق: الانتصار ٦٢: ٤؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٦٨: ١؛ وانظر كذلك فيما يلي ٢٧٣: ٢.
(٣) نفسه ٦٢: ٤؛ نفسه ٦٨: ١.
(٤) وذلك في سنة سبع وسبعين (الكندي: ولاة مصر ٧٣).